المصطلحات اوعية الافكار. ومن هذه المصطلحات الاصلاح والتغيير. الاصلاح يعني اجراء تغيير جزئي للواقع الفاسد. وقد يكون دلك استنادا الى ماهو موجود بشرط ان يكون "ماهو موجود" صالحا بنفسه. اما التغيير فهو يعني اجراء اصلاح شامل للواقع الفاسد. والعمليتان (الاصلاح والتغيير) تتضمنان معنى الهدم والبناء. فالاصلاح يشير الى هدم جزئي وبناء جزئي. بينما التغيير يعني الهدم الكلي والبناء الكلي. عندما سقط النظام الدكتاتوري، وهذه كانت عملية هدم كلي، كان يفترض ان تليها عملية بناء كلي. وتم تسجيل العملية تحت اسم "جمهورية العراق دولةٌ اتحادية واحدة مستقلةٌ ذات سيادة كاملة، نظام الحكم فيها جمهوريٌ نيابيٌ (برلماني) ديمقراطيٌ وهذا الدستور ضامن لوحدة العراق". الولايات المتحدة تولت عملية الهدم، فيما تولت عمليةَ البناء الولاياتُ المتحدة واطرافٌ عراقية. لكن عملية البناء تعرضت لعيوب تأسيس كثيرة من اسبابها ان الاشخاص الذين تولوا البناء لم يكونوا مؤهلين لذلك تماما. وحينما برزت عيوب التأسيس ظهرت معها دعوات الاصلاح. لكن دعوات الاصلاح المبكرة لم تُسمع. فتفاقمت معها عيوب الممارسة وعلى راسها الفساد. بعد حوالي سبع سنوات عادت اصوات الاصلاح التي ترفض الواقع الفاسد جزئيا، لكنها لا تملك البديل الجزئي المطلوب. مع تولي حيدر العبادي رئاسة الحكومة اصبحت اصوات الاصلاح عالية، لكن ايضا بدون مقترحات بديل. صحيح، طُرحت بعض العناوين، لكنها كانت اعجز عن استيعاب الموقف. مع حكومة عادل عبد المهدي، اصبحت الاصوات تطالب بالتغيير، يعني هدم الواقع الفاسد برمته، ولكنها لم تقدم خريطة البناء الكامل الجديد. حصل هذا مع تظاهرات تشرين الاول عام ٢٠١٩. ومع ان البعض يسميها "ثورة تشرين العظيمة"، لكني اعتبرت هذا من باب التسامح باستخدام المصطلحات، والا فهي عبارة عن حركة احتجاجية، تمت سرقتها واختراقها قبل ان تتطور الى ثورة. وحين طالبت احد مستخدمي مصطلح "ثورة" ان يقدم البديل قال لي: "تشرين فكرة .. تشرين ببساطة وطن". وهذه الكلمات لا تكفي لرسم خارطة الطريق لما بعد الهدم، اي البناء. بعد تشرين وصلنا الى نقطة اللاعودة حين سلمت الطبقةُ السياسية الفاشلة او الفاسدة الحكمَ الى افشل الخيارات المتصورة من قبلها: مصطفى الكاظمي الذي لا يملك اي مؤهل ليحكم بلدا حكمه حمورابي وسرجون الاكدي و علي بن ابي طالب وهارون الرشيد من قبل. وفي هذه النقطة، لم يعد الاصلاح ممكنا؛ فلسنا نتحدث عن تغيير جزئي يتلوه بناء جزئي. اصبح الواقع القائم فاسدا برمته، وهكذا وضع يتطلب هدما كاملا له، لكي يباشر المجتمع عملية البناء الكامل، او التغيير الشامل. وحتى تكتمل الصورة، لابد ان نقدم خارطة البناء الجديد المطلوب. فرفض الواقع الفاسد لا يكفي، والدعوة الى هدمه كله لا تكفي، بل لابد من البناء الشامل الجديد. ومنذ سنوات، و قبل تظاهرات تشرين، اطلقتُ على خارطة البناء الجديد اسم: الدولة الحضارية الجديدة. فاذا كنا بصدد هدم الواقع الفاسد القائم برمته، فيجب ان تكون عملية الهدم مقدمة وشرطا لبناء الدولة الحضارية الحديثة. بهذا فقط تكتمل الصورة، وتكون العملية ناجحة.
اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
https://telegram.me/buratha