محمد عبد الحبار الشبوط ||
يواجه بعض القراء الكرام صعوبة في تقبل الدعوة الى اقامة الدولة الحضارية الحديثة في العراق. ومنشأ هذه الصعوبة ان اذهانهم تقفز فورا الى نماذج من الدول المتقدمة جدا فيرى الفرق شاسعا بينها وبين العراق، ويستنتج انه من الصعب جدا، او ربما من المستحيل ان يلحق العراق بهذه الدول ليكون مثلها دولةً حضاريةً حديثة.
وسبب هذه "القفزة" عدم ادراك ان الدولة الحضارية الحديثة "مفهوم مشكك"، كما يقول المناطقة، اي هو "مفهوم كلي ينطبق على مصاديقه بالتفاوت".
ومعنى هذا الكلام ان الدولة الحضارية الحديثة مفهوم عام له نماذج كثيرة متفاوتة في درجات تجسيدها له. نظريا، نستطيع ان نفترض وجود دولة حضارية حديثة تامة (عمليا لا توجد مثل هذه الدولة)، ثم تتناقص درجات الدول حتى نصل الى دول في وسط السلم، ثم تنخفض الدرجات حتى نصل الى درجة غير حضارية وغير حديثة بصورة كاملة، وهي الدول المتخلفة والمتأخرة في مختلف الاصعدة والمجالات. واذا افترضنا ان درجات الدولة الحضارية الحديثة مقسمة على الرقم ١٠٠، واذا افترضنا ان العراق يقع في الدرجة ٣٥، فان دعوتنا الى الدولة الحضارية الحديثة تعني الصعود بالعراق الى الدرجة ٥٠ كحد ادنى، على ان يتواصل العمل من اجل الوصول الى الدرجة ٧٠ مثلا فما فوق.
اشير هنا الى ان درجات الدولة الحضارية الحديثة مقسمة على عدة مجالات، مثل السعادة، والحرية، والديمقراطية، وتطبيق القانون، وسهولة الاجراءات ، ومتوسط العمر المتوقع، ونصيب الفرد في الناتج المحلي الإجمالي، وسخاء الدولة، وغياب الفساد وغير ذلك.
وحينما اقول ان الدولة الحضارية الحديثة ظاهرة تاريخية قابلة للقياس، فان القياس يتم في هذه المجالات المختلفة. ومن الممكن ان تنال الدولة الواحدة درجات مختلفة في هذه المجالات. وتقوم عدة جهات دولية بقياس مؤشرات الدول في مقدمتها الامم المتحدة التي تصدر مؤشر السعادة العالمي، اضافة الى عدد اخر من المؤسسات غير الربحية المتخصصة، مثل مؤسسة الايكونوميست التي تقدم مؤشر الديمقراطية، ومؤسسة فريدم هاوس (دار الحرية) التي تقدم مؤشر الحرية. و بالامكان تأسيس مؤسسات اخرى لقياس جوانب اخرى في الدولة الحضارية الحديثة.
ومن ابرز المؤشرات المتوفرة حاليا هو مؤشر السعادة، وهي الهدف الاعلى للدولة الحضارية الحديثة، و الذي تنشره الامم المتحدة ويعود تاريخه الى شهر تموز من عام 2011 حين أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً يدعو الدول الأعضاء إلى قياس مقدار السعادة في شعوبها للمساعدة في توجيه سياساتها العامة. وقد صدر تقرير السعادة العالمي الأول في 1 نيسان من عام 2012 حيثُ حدد التقرير حالة السعادة العالمية وأسباب السعادة والبؤس والآثار المترتبة على السياسات التي أظهرها دراسة الحالة.
يضم التقرير أكثر من 150 دولة، ويتم وفقاً لعدد من المعايير التي ذكرت بعضها قبل قليل.
واظهر مؤشر السعادة لعام ٢٠٢٠ الذي شمل ١٥٣ ان عدد الدول التي اجتازت درجة النجاح (٥٠ بالمئة) بلغ ١٠٠ دولة ليس من بينها العراق حيث جاء ترتيبه ١١٠ ما يعني انه ليس من الدول السعيدة، لكنه كان قريبا من درجة النجاح الدنيا حيث حصل على الدرجة ٤٨ تقريبا. وهذا يعني اننا مازلنا بحاجة الى جهد لكي نرفع العراق الى اعلى من الدرجة الادنى للسعادة صعودا الى درجات اعلى، والواضح ان هذه الهدف وان بدا صعبا، لكنه ليس مستحيلا.
في تفاصيل المؤشر نجد ان الدول العشر الاولى هي فنلندا، الدانمارك، سويسرا، ايسلندا، النرويج، هولندا، السويد، نيوزيلندا، النمسا و لوكسمبورغ. اما الولايات المتحدة فقد جاءت بالمرتبة ١٨.
https://telegram.me/buratha