محمد عبد الجبار الشبوط ||
على المستوى العراقي في الاقل، لا اوافق على العبارة المضللة القائلة:"الارهاب لا دين له"، لان الذي قتل السيد محمد باقر الحكيم، وفجر ضريحي الامامين العسكريين في سامراء، واستباح الموصل والانبار، وحصد الالاف من العراقيين المدنيين الابرياء في الكرادة وغيرها من مدن العراق الجنوبية والوسطى، وليس انتهاء بالعملية الاجرامية في ساحة الطيران.... الذي قام بكل هذه العمليات الارهابية عنده دين؛ ودينه هو السلفية الجهادية المتشددة والمتطرفة. هذا الارهابي الذي يضحي بنفسه من اجل قتل عدد من الابرياء له دين. انه انسان متدين يعتقد انه بتنفيذ عمليته الانتحارية ضد الابرياء سوف يكون شهيدا عند الله، ويستقبله النبي محمد عند بوابة الجنة.
قامت السلفية الجهادية بغسيل عقول الالاف من الافراد من العراقيين وغيرهم منذ زمن يسبق تاريخ سقوط صدام حسين، ثم ضاعفت عملها بعد سقوطه، وخاصة حين فتح الاميركيون الحدود العراقية، فاستباح السلفيون الجهاديون ارض العراق، بحجة التصدي للاحتلال الاميركي، لكن قوائم ضحاياهم من العراقيين كانت اكبر بكثير من قوائم الضحايا الاميركيين، وحين سئل احد قادتهم لماذا لا تحاربون اليهود الذين يحتلون فلسطين، تلى الاية القرانية التالية:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ". واستشهد بتفسير الطبري الذي قال ان معنى هذه الاية: "ابدأوا بقتال الأقرب فالأقرب إليكم دارًا، دون الأبعد فالأبعد." وفسر الاقرب بانهم "الرافضة والمرتدون". اما الرافضة فهم المسلمون الشيعة، واما المرتدون فهم المسلمون السنة المتعاونون مع الرافضة. والمحصلة النهائية ان السلفيين الجهاديين يقاتلون كل من يرفض تفسيرهم للنصوص الدينية. وقد شرح كل هذه المتبنيات الفقهية للسلفية الجهادية كتابهم المرجعي "واقع الجهاد في العراق"، والذي انطلق من القاعدة التالية:"ان الوارث الشرعي لرسالة الاسلام والعامل الحقيقي لفريضة الجهاد والممثل الوحيد لاهل السنة في العراق ومصدر قرارهم هم راية الحق من المجاهدين فقط" الى ان يقول:"وبما ان المواطنة المعتبرة شرعا ليست المواطنة بل الاسلام فهم الوارث الشرعي الوحيد للعراق".وبهذا النص اسقط الفكر السلفي الجهادي صفة المواطنة من كل العراقيين، وحصرها بالسلفيين الجهاديين الذين يقاتلون على الارض العراق. وقد استند تنظيم داعش على هذه الرؤية حين انشأ دولة خرافته في الاراضي العراقية التي استباحها.
الفئة السلفية الجهادية، وهي طائفة دينية مستحدثة ومنحرفة عن الاسلام والفهم الحضاري للقران، هي العدو الاول الذي لا يعترف بمواطنية العراقيين، ويبيح قتلهم، وحتى قتل من يتمترس بهم. وان النصر العسكري الذي تحقق في الموصل على داعش لم يتضمن القضاء على الفئة السلفية الجهادية في العراق حيث لازالت تعشعش في العديد من مناطقه، وهي تعيد تأهيل نفسها مسلحةً بنفس الفكر السلفي الارهابي المتطرف.
واي عمل يستهدف تحقيق الامن في العراق لابد ان يبدأ بالقضاء على السلفية الجهادية، فكرا وممارسة ونشاطا. وهذا يتطلب مستويات عدة من الاعمال، تبدأ من تجفيف المنابع الفكرية والفقهية لهم، مرورا بكل المستويات الامنية والاستخبارية والعسكرية الاخرى. يتطلب الامر، كخطوة اولى، صدور فتاوى صارمة من مراكز الفتوى الدينية المعترف بها في العالم الاسلامي وخاصة الازهر والسعودية بشقين: الاول اخراج السلفية الجهادية من دائرة المسلمين، والثاني الاعتراف باسلامية الشيعة، وحرمة دمائهم ونسائهم واموالهم. وقد يتوّج هذا النشاط بمؤتمر عام للفقهاء المسلمين من جميع المذاهب، يعقد في بغداد، ويعلن هذه الفتاوى بالاجماع. وبين هذا وذاك، لابد من جهد مكثف في المدارس والمنابر الاسلامية لاشاعة الفهم الحضاري للقران الذي يؤكد على التعايش السلمي وحرمة القتل: "مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا".
ـــــ
https://telegram.me/buratha