محمد عبد الجبار الشبوط||
هل تؤمن ان المستقبل من الممكن ان يكون افضل من الحاضر؟
٥٤ بالمئة من الذين اجابوا على هذا السؤال قالوا: لا، والبقية (٤٦٪) قالوا نعم. معنى هذا ان اغلبية الذين شاركوا في الاجابة عن السؤال يتغلب عندهم اليأس او الصورة الرمادية للمستقبل على الامل او الصورة الوردية له. وهذه حالة ليست جيدة، تضاف الى قائمة الظواهر السلبية التي يعاني منها مجتمعنا والتي اعزوها الى الخلل الحاد في القيم العليا الحافة بعناصر المركب الحضاري الخمسة، اي: الانسان والطبيعة والزمن والعلم والعمل.
يذكر راسل چاكوبي، وهو مثقف اميركي يميل الى اليسار، في كتابه "نهاية اليوتوبيا" الصادر في عام ١٩٩٩ ان الشاعر الانگليزي صامويل كولريدج كتب الى صديقه الشاعر وليم ووردزورث في عام ١٧٩٩، اي بعد عشر سنوات من قيام الثورة الفرنسية، يقترح عليه ان ينهض لمقاومة حالة التبرم والنزعة السلبية السائدة قائلا: "اريد منك ان تكتب قصيدةً من الشعر المرسل موجهةً لهؤلاء الذين تخلوا، نتيجة الاخفاق الكامل للثورة الفرنسية، عن اي امل في مستقبل افضل للانسانية...".
بعد ١٧ سنة من الاطاحة بنظام الدكتاتورية الصدامية البعثية "غرق" عدد كبير من الناس في حالة يأس من اي امل لمستقبل افضل في العراق. ولا الومهم على ذلك. فقد كانت التوقعات كبيرة بعد الاطاحة بصدام. وسواء كانت هذه التوقعات مبالغا فيها او لا، فان ما جرى بعد ذلك كان مخيبا للامال. ومهما تحدثنا عن منجزات تحققت، فان حجم "الفشل" كان اكبر من حجم "النجاح". وحينما خرج الشباب الى الشارع في تشرين الاول من عام ٢٠١٩ تولد عندي امل في احتمال تعديل المسار، لكن الامل سرعان ما تبدد بسبب ماحدث بعد ذلك، بما في ذلك تسليم الحكم الى من هو ابعد الناس عن متطلباته.
لكن الاخطر من ذلك ان يسيطر اليأس من المستقبل الافضل على نفوس الناس. تعلمت من السيد محمد باقر الصدر ان المستقبل هو القوة الحقيقية المحركة للحاضر. والمستقبل هو صورة ذهنية في اذهان الناس. فاذا كانت الصورة مشرقة ووردية اندفع الناس اليها بامل وايمان بامكان تحققها، واذا كانت الصورة قاتمة ورمادية، اصاب الناس الاحباط والروح السلبية.
غلبة اليأس من امكانية المستقبل الافضل تشكل عقبة كبيرة امام دعوات التغيير ومحاولات زرع بذور النهضة في المجتمع لان اليأس يحوّل الارض الصالحة للزراعة الى ارض قاحلة لا تقبل الزرع. وهذا مؤشر خطير لاندثار المجتمع وخروجه من حلبة التاريخ. وهذا ما اخشاه على مجتمعنا العراقي اذا ما استمرت روح اليأس والاحباط.
من هنا، اقول ان اخطر معاركنا التي يجب ان نخوضها هي المعركة ضد اليأس. وما لم نتغلب على اليأس فمن الصعب ان نتحدث عن امكانية التغيير. ومن هنا جاءت منشوراتي الكثيرة التي تتحدث عن مستقبل افضل يتمثل في قيام الدولة الحضارية الحديثة، او الجمهورية الرابعة، على انقاض الجمهورية الثالثة، جمهورية المحاصصة الحزبية والطائفية والعرقية.
انا اعلم ان البعض قد يرى الدولة الحضارية الحديثة حلما بعيد المنال. لكن الواقع انها ليست كذلك. فقد استطاعت مجتمعات مرت بظروف واحوال اصعب مما مر به العراق، و بالامل بمستقبل افضل حرّك ارادة ابنائها، ان تنطلق في رحلة البناء والتغيير، ونجحت بتغيير واقعها البائس والشروع ببناء المستقبل الافضل الذي امنت بامكان تحققه في وقت منظور.
الذين مازالوا يؤمنون بان المستقبل ممكن ان يكون افضل من الماضي (اي اصحاب نسبة ٤٦٪) يمكنهم ان يسهموا بايجابية وفعالية في المعركة ضد اليأس
https://telegram.me/buratha