عمار محمد طيب العراقي||
ثمة علاقة طردية بين التأريخ وقيمه، وبين مخرجاته التي تكون عادة إيجابية، في حالة الأمم العريقة، أما في حالة الدول حديثة التكوين، فالعلاقة لا تنتج إلا مخرجات سلبية في اغلب الأحيان، على قاعدة فاقد الشيء لا يعطيه..!
العراق ليس "بلد" شعب بليد مسحوق، منشغل بمليء يطنه، بل هو "وطن" يعيش على ارضه ومنذ آلاف السنين، شعب شغل ثلثي التاريخ البشري، ومن الصعب أن تتم هزيمة هذا الشعب، على يد دولة بلا تاريخ كالولايات المتحدة..
الأمريكان الذين لا يمتلكون فسحة تاريخية، تضعهم في مصاف الأمم الفاعلة في صناعة النصوع التأريخي، سيحتاجون الى وقت طويل ، ربما يمتد لألف عام قادمة، يتعضون فيها من أخطائهم، ويعيدون خلالها حساباتهم مرة تلو أخرى، كي يستقروا على دور حضاري مقبول أمميا، لكنهم وخلال تاريخهم الذي لم يتجاوز لحد الآن ثلاثة قرون فقط، لم يقدموا للبشرية غير الحروب والجرائم ضد الإنسانية، وهذا هو عنوانهم الأكبر والأنشط.
الأمريكان لم ينتصروا في أي حرب خاضوها، وفي جميع حروبهم خرجوا مثخنين بالجراح،
وفي العراق خسرت الولايات المتحدة الأمريكية معركتها، الحقيقة أن السياسة الأمريكية في العراق، تنقلت من فشل الى آخر، بل أنها فشلت حتى قبل أن تحتل العراق في نيسان 2003، فقد وضعت أقدامها في بقعة من الرمال المتحركة، فوق بركان قابل للإنفجار في اية لحظة..
تحتمل وقائع ألأحداث ان توصف الخسارة بأنها خسارة مشرفة، لكن ثمة خيط رفيع بين الخسارة والهزيمة، فعندما تكون الخسارة ليست مشرفة، فإنها تتحول تلقائيا الى هزيمة، وهذا ما حصل ويحصل للأمريكان في العراق، وقبلها في أفغانستان.
الأمريكان شأنهم شأن كل المتجبرين الذين يفتقرون الى عمق تاريخي، لا يفهمون إلا لغة القوة، وهم لا يحترمون إلا الأقوياء، ولذلك هم يجلسون اليوم مع طالبان، يفاوضوها بكل إحترام ومهابة، باحثين عن مخرج يحفظ بعض ماء وجههم الذي مرغته بنادق قديمة، بعضها صناعة محلية أفغانية..
لم يتبق على تحويل الخسارة الأمريكية في العراق الى هزيمة منكرة، إلا إجراءات شكلية، تتمثل بإعلان رسمي من قبل الإدارة الأمريكية القادمة، أنها راغبة بسحب قواتها بشكل نهائي، لكنها فقط تريد من العراقيين، وقتا ليس طويلا لتنظيم عملية ألإنسحاب، فضلا عن طلب هو رجاء بأن يحفظ العراقيين كرامتهم كدولة عظمى، ولا يعلنون أنهم هزموها وأجبروا قواتها على الرحيل.
الآلية المناسبة التي يقترحها الأمريكي، هي إتفاق رسمي يشيد فيه العراقيون، بدور القوات الأمريكية بالقضاء على الإرهاب، وانهم يقدمون شكرهم وإمتنانهم لها، وهذا ما لم يكن ولن يكون!
الإنتصار العراقي إنتصار صنعته عقيدة هيهات منا الذلة، هذه العقيدة التي لم يقرأها الأمريكي جيدا، وحتى إذا قرأها فلن يفهمها أبدا، لأنها لم تكن يوما في قاموسه، ولذلك كانت بالنسبة له مفاجئة غير سارة، حينما شاهد الملايين يتقدمهم "الشايب"، ملبين نداء الوطن في حزيران 2003، معززين بتوجيه عقائدي من المرجعية الدينية، مؤداه أن لا يعود أحدكم إلا منتصرا أو منصوراً في تابوت..النصر او الشهادة!
هذه العقيدة التي هي نتاج آلاف من السنين، بدأت من "إصنع الفلك بأعييننا"، هي التي أولدت "الشايب"، وهي التي وضعته في مقدمة صفوف المحاربين من أجلها، وهي التي دفعت جيراننا أبناء "جناب المستطاب"، شركائنا في الشطر الأعظم من التاريخ المدعم بشراكة العقيدة، لأن يكونوا معنا مقدمين عن رغبة وإخلاص وإندفاعٍ بطولي، خيرة حراس العقيدة وصفوتها حامل "لواء الإسلام"..
قتل "الشايب" و"لواء الإسلام"، خسارة كبرى للأمريكي قبل أن تكون لنا، ومسارعته لرأب خسارته بإدراج شخصيات عراقية على قائمة الإرهاب، ستكون مفتاح بوابة بداية نهاية وجودهم، ليس في العراق بل في المنطقة عموما، ولن يخسروا الوجود العسكري فقط، بل سيخسرون المال والأقتصاد والتأثير الدولي، وسينكفئون على أنفسهم باحثين عن كيسنجر جديد، يكتب لهم كتاب نهاية التاريخ الأمريكي ، ويفكر لهم بطريقة ما يستعيدون فيها بعض ما فقدوه..!
شكرا
17/1/2012
https://telegram.me/buratha