المقالات

الديمقراطية والدكتاتورية


 

محمد عبد الجبار الشبوط ||

 

انظمة الحكم نوعان: اما ديمقراطي او دكتاتوري. الاول من اهم ركائز الدولة الحضارية الحديثة، والثاني من سمات الدولة المتخلفة غير الحضارية. اما المسميات والتوصيفات الاخرى مثل: اشتراكي او رأسمالي، اسلامي او علماني الخ، فهي تقبل الوجهين. فمن الممكن تصور نظام علماني ديمقراطي واخر دكتاتوري، وتصور نظام اسلامي ديمقراطي واخر دكتاتوري. فالديمقراطية والدكتاتورية مصطلحان لاسلوب ممارسة الحكم والسلطة وتدبير الشأن العام.

الديمقراطية منظومة اليات محايدة لتنظيم عملية تداول السلطة في المجتمع بطريقة سلمية ودورية وبالانتخابات الحرة والنزيهة.

ولم تصل البشرية الى ادراك هذا المعنى وتقبله بسهولة او خلال فترة قصيرة. فمنذ استخلاف الانسان العاقل homo sapien  في الارض، ثم ظهور الديمقراطية المجلسية Assembly Democracy في بلاد وادي الرافدين ثم انتقالها الى اثنيا، الى ظهور الديمقراطية التمثيلية representative democracy، لاول مرة في مدينة ليون الاسبانية عام ١١٨٨، وقيام الدول الحضارية الحديثة، دفعت البشرية اثمانا غالية من اجل اقرار الطريقة الديمقراطية في الحكم. والى اليوم، لم تحقق سوى ٢٢ دولة مفهوم الديمقراطية السليمة والتامة، ما يعني ان تجسيد مفهوم الاستخلاف بصيغته النهائية مازال بحاجة الى وقت طويل وجهد كبير.

وتتطلب الديمقراطية بهذا المعنى ضمان حق المواطن في حرية التعبير والاختيار والعمل والمشاركة في الحياة السياسية بما في ذلك الترشيح والتصويت او حتى الامتناع عن التصويت.

وكأي امر اخر في الحياة الاجتماعية تحتاج الديمقراطية الى ارضية قانونية تضمن الممارسة السليمة لها مثل قانون الاحزاب وقانون الانتخابات وقانون النشر والاعلام وقانون التجمعات الخ. كما تتطلب قدرا معينا من الثقافة السياسية في حدها الادنى الذي يحقق توفير الوعي السياسي لدى المواطن في مغزى الديمقراطية ومعناها وضوابطها ومتطلباتها.

الديمقراطية في العراق حديثة عهد بالنسبة للمواطن العراقي، رغم انها نشأت في الاصل في العراق قبل الاف السنين. ومع ان الهدف المعلن والمسجل دستوريا بعد اسقاط النظام الدكتاتوري عام ٢٠٠٣ تمثل في اقامة دولة ديمقراطية في العراق، الان ان مسار الاحداث منذ ذلك العام الى اليوم لم يصل بعد الى مستوى هذا الهدف، بل ان المسيرة تعرضت الى انتكاسات نقلت التجربة من حالة الديمقراطية الناشئة القابلة للارتداد، الى الديمقراطية ذات العيوب، الى الحكم الاوليجارشي الذي يتحكم فيه عدد محدود من الافراد بعضهم غير منتخبين اصلا. وذلك بسبب عيوب التأسيس التي ارتكبتها الاحزاب التي تولت السلطة منذ ذلك العام الى اليوم، والتي لم تكن مؤهلة لتقديم وبناء بديل ديمقراطي يخلف الدكتاتورية الصدامية.

وقد ادت عيوب التأسيس واخطاء الممارسة وسوء الاداء الى تشويه صورة الديمقراطية غير الواضحة اصلا في اذهان الناس. واليوم يتحدث الكثير منهم بالسوء عن الديمقراطية، بل ان بعضهم يتحدث عن "المستبد العادل" للتخلص من "الديمقراطية المستوردة".

لا نقاش في ان للديمقراطية عيوبها، ولا يمكن الحديث عن نظام سياسي يضعه البشر ويمارسه البشر دون عيوب. والمسألة هي كيفية معالجة هذه العيوب، وليس العزوف عن الديمقراطية، لان الخيار الاخر، ولا يوجد غير الدكتاتورية، ليس افضل من الديمقراطية رغم عيوبها.

هنا نكون امام خيارين: اما النكوص الى الوراء والعودة الى صيغة من الحكم ابعد عن الديمقراطية واقرب الى الدكتاتورية، او التقدم الى امام لتحقيق مزيد من الديمقراطية.

وامامنا التجربة الحالية في الولايات المتحدة. فقد ادرك الناس ان انتخاب ترامب الشعبوي العنصري كان نكوصا عن الديمقراطية، فصححوا هذا الخطأ بعدم التجديد له، وتعزيز سلطة المؤسسة الديمقراطية.

يمكن ان يقال الامر ذاته بالنسبة للعراق، مع حفظ الفارق الكبير بين الحالتين. لتصحيح المسيرة الديمقراطية يتعين العودة اليها من جديد لا العزوف عنها.

ــــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
فيسبوك