ضحى الخالدي||
أنشأ الملك البلجيكي ليوبولد الثاني عام 1885م. عدة جمعيات كالجمعية الإفريقية العالمية والرابطة الدولية في الكونغو ولجنة دراسة الكونغو العليا بحجة تطوير الكونغو- ذلك البلد الواقع في وسط القارة السمراء. لم تكن النوايا سليمة ولا لسواد عيون شعب الكونغو؛ بل لأن هذه البلاد غنية بالمطاط والعاج.
استعبد البلجيكيون سكان الكونغو لتأمين اليد العاملة لاستخراج المطاط الذي كان يُصَدَّر لشركات السيارات لصناعة إطارات العجلات. ولترهيب شعب الكونغو وإجباره على العمل عمدت الجمعيات البلجيكية الى تشكيل فرق من المرتزقة الكونغوليين لمطاردة وقتل أبناء جلدتهم عُرِفوا باسم (القوة العامة).
تم فرض ضرائب باهظة على السكان وفقدوا أراضيهم, وأصبحوا عبيداً. كل فرد كان مجبراً على استخراج كمية محددة من المطاط, وفي حال عدم توفرها فقد كانوا يتعرضون للحرمان من الطعام والجَلد.
كل من يتقاعس عن عمله أو يمرض أو يفشل في الحصول على الكمية المطلوبة من المطاط تُبتَر يدُه, بما في ذلك الأطفال. حتى عُرفت بلاد الكونغو بأرض الأيادي المقطوعة.
بين عامي 1885-1908 أعدمت السلطات البلجيكية في الكونغو أعداداً مرعبةً من الأطفال والشيوخ لأنهم غير قادرين على العمل؛ إضافةً الى المجاعات والأوبئة.
قضى ثلث سكان البلاد نحبهم وقيل نصفهم, 10 ملايين كونغولي وهناك من رفع الرقم الى 15 مليون كونغولي خلال 23 سنة من الوصاية قبل أن تحوِّل بلجيكا الكونغو الى مستعمرة إثر الانتقادات الواسعة لسياستها من قبل الصحفيين البريطانيين والأمريكيين؛ رغم أن كل ما حصل في الكونغو كان بعِلم ومباركة البريطانيين والأوروبيين؛ بل ومن مخرجات مؤتمر برلين عامي (1884-1885) م.
في فترة الاستعمار البلجيكي للكونغو (1908-1960)م. كانت النساء في الكونغو وبوروندي ورواندا يتعرضن للاغتصاب من قبل البلجيكيين فنتج عن ذلك مئات الآلاف من الخلاسيين (مختلطي البشرة) الذين كانوا يبعدون الى أديرة على مسافة مئات الكليومترات عن منازلهم لأنهم غير مرغوب بهم مجتمعياً, ولأن بلجيكا كانت تعتبرهم تهديداً للدولة يُتَخَوَّفُ من تمردهم وإفساد مكانة الجنس الأبيض, وبعد مغادرة الراهبات البلجيكيات تلك الأديرة على خلفية استقلال الكونغو عاد هؤلاء الخلاسيون الى المجتمع ليتعرضوا الى شتى أنواع الإهانة والتعنيف والإذلال والاغتصاب.
قامت السلطات البلجيكية في الفترة (1959-1960) بنقل –اختطاف- عشرات الآلاف من الأطفال الخلاسيين المولودين من أمهات سود ومستوطنين بيض الى بلجيكا, ووضعتهم في مدارس كاثوليكية إلا أنهم حتى الآن يعانون من التمييز العنصري في بلجيكا, ولا يمتلكون الجنسية البلجيكية ولا حتى الكونغولية, وقِس على ذلك حرمانهم من أية حقوق تترتب على المواطَنة؛ إنهم بلا هوية, بل إنهم معزولون عن بقية المواطنين البلجيكيين, وأقدم الكثير منهم على الانتحار. كِلا النوعين من الخلاسيين لا يعرفون ذويهم حتى الآن.
وأعرب الملك البلجيكي لويس فيليب ليوبولد ماري في حزيران- يونيو 2020م. عن أسفه للكونغو لأول مرة منذ استقلال الأخيرة عام 1960م. مدفوعاً بالحملة الشعبية العالمية الاحتجاجية على مقتل المواطن الأميركي الأسود جورج فلويد على يد شرطي أبيض, نعم أعرب عن (بالغ أسفه للجروح التي تسببت بها فترة الاستعمار البلجيكي لجمهورية الكونغو الديموقراطية) أما رئيس الوزراء البلجيكي شارك ميشيل فقد قدم اعتذاراً للخلاسيين وعائلاتهم عن الظلم والمعاناة التي تعرضوا لها.
ساق الملك ليوبولد الثاني حجج التبشير بالمسيحية ونشر بركاتها على الأفارقة بالإضافة الى الأعمال الخيرية وتعليم القراءة والكتابة ومظاهر الحضارة الغربية ليستولي على ثروات وسط إفريقيا, ومن عطايا هذا الملك السخي تجاه الكونغو أنه أمر بإنشاء حديقة حيوان بشرية شرق العاصمة البلجيكية بروكسل صيف العام 1897م. وتم نقل 260 كونغولياً إليها, وتم عرضهم داخل أقفاص فيما عُرِفَ وقتها بالعروض البشرية في مدن أوروبا وأميركا. استقبلت حدائق الحيوان البشرية في فرنسا وبلجيكا ما لا يقل عن 40 ألف زائر يومياً للتعرف على المعروضات القادمة من إفريقيا وآسيا وأستراليا وأميركا الجنوبية, ليتفرجوا عليها وليلقوا إليها بأصابع الموز.
لم يقتصر الأمر على بروكسل بل لندن وباريس وهامبورغ ونيويورك كلها مدن عرفت حدائق الحيوان البشرية. وفي حصار بروسيا لباريس عامي 1870-1871م. حين ضرب الجوع أطنابه بين أهالي باريس هاجموا الحيوانات المعروضة في حديقة حيوانات باريس, وقاموا بتعويضها لاحقاً بحدائق الحيوان البشرية قرب برج إيفل. وخلافاً لذلك فضَّل القائمون على حدائق الحيوان البشرية في نيويورك التركيز على عرض العنصر الفليبيني بعد الحرب الأميركية- الأسبانية 1898م.
ـــــــ
https://telegram.me/buratha