المقالات

كيف تبيد شعباً بالبُتيتة؟!

1628 2021-01-10

 

ضحى الخالدي||

 

   في واحد من أقدم استخدامات الأسلحة البايولوجية- الاقتصادية كانت الإبادة الجماعية بحق شعب الغال.

أغلبنا سمع او قرا أو شاهد شيئاً عن الإبادة الجماعية في آيرلندا بين عامي 1845-1852 بسبب انتشار وباء اللفحة المتأخرة – مرض فطري- الذي ضرب محصول البطاطس –البطاطا- المحصول الإقتصادي في آيرلندا حينها, والذي جيء به حينها من أراضي العالم الجديد حيث موطنه الأصلي مع إخوته من العائلة الباذنجانية (الباذنجان والطماطم) هذا الثلاثي المرح في سنوات الخير ايام حصار الثلاث عشرة سنة في العراق.

الحقيقة أن أكثر من من مليون مواطن آيرلندي قد تضوروا جوعاً حتى الموت, وأكثر من مليون آخرين قد هاجروا.

قبل الإبادة كان تعداد سكان آيرلندا ثمانية ملايين نسمة ؛ لم يمر الآيرلنديون بحقبةٍ أصعب من تلك الحقبة, ولم يصلوا الى ذلك الشكل الذي وصلوا إليه حينها.

كان هدف البريطانيين هو إبادة العرق الآيرلندي –الغالي- اللغة الغاليّة, وطمس الحضارة و الموروث الغالي. حيث ينتمي الآيرلنديون والويلزيون كذلك إلى شعوب الغال التي سكنت شمال إيطاليا وفرنسا وبلجيكا و مناطق غربي نهر الراين في ألمانيا.

استولى البريطانيون على عشرات ملايين الاطنان من الحبوب, الدقيق, الدواجن وغيرها؛ تحت تهديد السلاح. أربعة آلاف سفينة مشحونة بالأغذية غادرت آيرلندا في أسوأ عامٍ من المجاعة؛ هذه السفن توجهت نحو موانئ بريستول, غلاسكو, ليفربول, ولندن. كانت الأغذية تؤخذ من الآيرلنديين الجياع لإطعام الإنجليز.

نسبة الوفيات ازدادت مع طرد وتهجير أكثر من خمسمائة ألف نسمة بالقوة؛ كان الآيرلنديون يُجَرُّون من منازلهم من قِبَل الإنجليز أثناء الإبادة, وتُرِكَت العوائل على جوانب الطرقات لتموت جوعاً في الجو القاسي.

أُزيلت سقوف المباني للتأكد من أن أحداً ما يزال مختبئاً في بيته؛ خُرِّبَ غرب آيرلندا بطرق عبور وتقاطعات غير مكتملة عُرِفَت ب(طرق المجاعة). لقد كان الآيرلنديون الجياع يُرغَمون من قبل البريطانيين على حفر طرق عمياء لا نهاية لها ولا تؤدي لأي مكان.

لقد كانت المجاعة مورداً هامّاً للمشاريع البريطانية الاستعمارية عن سابق وعي وإدراك؛ لم تكن المجاعة في آيرلندا كارثةً طبيعية, لكنها كانت آلةً للحرب من صُنع الانسان؛ هذه المجاعة كانت إبادة لأن مرض اللفحة المتأخرة ضرب محصول البطاطس في كل القارة الأوروبية من روسيا الى بلجيكا, فلماذا وقع العبء الأكبر على آيرلندا؟ ولماذا عومل شعبها بهذه الطريقة؟ حيث كان ثلثا سكان آيرلندا يعتمدون على محصول البطاطس بصورة رئيسية في غذائهم بسبب الفقر.

احتلت بريطانيا آيرلندا عام 1801م. ومارست التمييز العنصري والديني ضد سكانها, ولم تكترث بالآفة التي ضربت محصولهم الإقتصادي الرئيسي؛ بل استغلَّت الكارثة أبشع استغلال وتركت السكان يموتون جوعاً, فمنذ الاحتلال احتكرت اقتصادهم ومنعتهم من امتلاك الأراضي ومن حق الانتخاب إلا إذا تركوا الكاثوليكية وتحولوا الى البروتستانتية بالرغم من أن غالبية السكان هم من الكاثوليك – يوماً ما كانت بريطانيا نفسها كاثوليكية- وبالرغم من أن الأراضي هي ملك الآيرلنديين فقد كان البريطانيون يتملّكونها ويؤجرونها للسكان الأصليين بأعلى الأسعار, وبتأثير من مُلّاك الأراضي البريطانيين رفضت الحكومة البريطانية استيراد الحبوب من أميركا الشمالية لتخفيف وطأة الكارثة كي لا يؤثر ذلك على قيمة المحاصيل الزراعية لمُلّاك الأراضي البريطانيين في بريطانيا, والذين لم يشعروا بالمجاعة أصلاً.

اجتاحت السكان أوبئة الكوليرا والحمى القاتلة والزحار والأسقربوط والتيفوس؛ لم تكن التوابيت كافية لأعداد الموتى فصُنِعَت لها أبواب شبيهة بالمصيدة, وبمجرد وصول التابوت الى حافة القبريُفتَح باب المصيدة لإسقاط الجثة فيه, كي يصبح التابوت جاهزاً للضحية التالية.

قدَّم رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير اعتذاراً لآيرلندا عام 1997 عن إبادة مليون ضحية, وتهجير مليون آخرين, وأنشأت بعض المدن التي هاجر إليها الآيرلنديون إثر المجاعة نصباً تذكارية لتخليد الذكرى في الولايات المتحدة وكندا وأستراليا وبريطانيا, وبالتأكيد في آيرلندا, فهل تصلح النصب التذكارية و الاعتذارات ما أفسدته الإبادة؟

ــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاكثر مشاهدة في (المقالات)
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك