ضحى الخالدي||
في واحد من أقدم استخدامات الأسلحة البايولوجية- الاقتصادية كانت الإبادة الجماعية بحق شعب الغال.
أغلبنا سمع او قرا أو شاهد شيئاً عن الإبادة الجماعية في آيرلندا بين عامي 1845-1852 بسبب انتشار وباء اللفحة المتأخرة – مرض فطري- الذي ضرب محصول البطاطس –البطاطا- المحصول الإقتصادي في آيرلندا حينها, والذي جيء به حينها من أراضي العالم الجديد حيث موطنه الأصلي مع إخوته من العائلة الباذنجانية (الباذنجان والطماطم) هذا الثلاثي المرح في سنوات الخير ايام حصار الثلاث عشرة سنة في العراق.
الحقيقة أن أكثر من من مليون مواطن آيرلندي قد تضوروا جوعاً حتى الموت, وأكثر من مليون آخرين قد هاجروا.
قبل الإبادة كان تعداد سكان آيرلندا ثمانية ملايين نسمة ؛ لم يمر الآيرلنديون بحقبةٍ أصعب من تلك الحقبة, ولم يصلوا الى ذلك الشكل الذي وصلوا إليه حينها.
كان هدف البريطانيين هو إبادة العرق الآيرلندي –الغالي- اللغة الغاليّة, وطمس الحضارة و الموروث الغالي. حيث ينتمي الآيرلنديون والويلزيون كذلك إلى شعوب الغال التي سكنت شمال إيطاليا وفرنسا وبلجيكا و مناطق غربي نهر الراين في ألمانيا.
استولى البريطانيون على عشرات ملايين الاطنان من الحبوب, الدقيق, الدواجن وغيرها؛ تحت تهديد السلاح. أربعة آلاف سفينة مشحونة بالأغذية غادرت آيرلندا في أسوأ عامٍ من المجاعة؛ هذه السفن توجهت نحو موانئ بريستول, غلاسكو, ليفربول, ولندن. كانت الأغذية تؤخذ من الآيرلنديين الجياع لإطعام الإنجليز.
نسبة الوفيات ازدادت مع طرد وتهجير أكثر من خمسمائة ألف نسمة بالقوة؛ كان الآيرلنديون يُجَرُّون من منازلهم من قِبَل الإنجليز أثناء الإبادة, وتُرِكَت العوائل على جوانب الطرقات لتموت جوعاً في الجو القاسي.
أُزيلت سقوف المباني للتأكد من أن أحداً ما يزال مختبئاً في بيته؛ خُرِّبَ غرب آيرلندا بطرق عبور وتقاطعات غير مكتملة عُرِفَت ب(طرق المجاعة). لقد كان الآيرلنديون الجياع يُرغَمون من قبل البريطانيين على حفر طرق عمياء لا نهاية لها ولا تؤدي لأي مكان.
لقد كانت المجاعة مورداً هامّاً للمشاريع البريطانية الاستعمارية عن سابق وعي وإدراك؛ لم تكن المجاعة في آيرلندا كارثةً طبيعية, لكنها كانت آلةً للحرب من صُنع الانسان؛ هذه المجاعة كانت إبادة لأن مرض اللفحة المتأخرة ضرب محصول البطاطس في كل القارة الأوروبية من روسيا الى بلجيكا, فلماذا وقع العبء الأكبر على آيرلندا؟ ولماذا عومل شعبها بهذه الطريقة؟ حيث كان ثلثا سكان آيرلندا يعتمدون على محصول البطاطس بصورة رئيسية في غذائهم بسبب الفقر.
احتلت بريطانيا آيرلندا عام 1801م. ومارست التمييز العنصري والديني ضد سكانها, ولم تكترث بالآفة التي ضربت محصولهم الإقتصادي الرئيسي؛ بل استغلَّت الكارثة أبشع استغلال وتركت السكان يموتون جوعاً, فمنذ الاحتلال احتكرت اقتصادهم ومنعتهم من امتلاك الأراضي ومن حق الانتخاب إلا إذا تركوا الكاثوليكية وتحولوا الى البروتستانتية بالرغم من أن غالبية السكان هم من الكاثوليك – يوماً ما كانت بريطانيا نفسها كاثوليكية- وبالرغم من أن الأراضي هي ملك الآيرلنديين فقد كان البريطانيون يتملّكونها ويؤجرونها للسكان الأصليين بأعلى الأسعار, وبتأثير من مُلّاك الأراضي البريطانيين رفضت الحكومة البريطانية استيراد الحبوب من أميركا الشمالية لتخفيف وطأة الكارثة كي لا يؤثر ذلك على قيمة المحاصيل الزراعية لمُلّاك الأراضي البريطانيين في بريطانيا, والذين لم يشعروا بالمجاعة أصلاً.
اجتاحت السكان أوبئة الكوليرا والحمى القاتلة والزحار والأسقربوط والتيفوس؛ لم تكن التوابيت كافية لأعداد الموتى فصُنِعَت لها أبواب شبيهة بالمصيدة, وبمجرد وصول التابوت الى حافة القبريُفتَح باب المصيدة لإسقاط الجثة فيه, كي يصبح التابوت جاهزاً للضحية التالية.
قدَّم رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير اعتذاراً لآيرلندا عام 1997 عن إبادة مليون ضحية, وتهجير مليون آخرين, وأنشأت بعض المدن التي هاجر إليها الآيرلنديون إثر المجاعة نصباً تذكارية لتخليد الذكرى في الولايات المتحدة وكندا وأستراليا وبريطانيا, وبالتأكيد في آيرلندا, فهل تصلح النصب التذكارية و الاعتذارات ما أفسدته الإبادة؟
ــــــ
https://telegram.me/buratha