عبد الخالق الفلاح* ||
يعرف بالمنافق بأن يجعل الانسان لنفسه وجهين، و في اللغة هو إظهار غير ما يبطن ويظهر أحدهما حسب الموقف الذي يواجه.ويعرف المفهوم بشكل عام على أنه الطبيعة الخطيرة في السلوك البشري، وهو إظهار عكس ما هو كائن داخل النفس البشرية. و ما أسهل النفاق ، وما أجزل فوائده إنَّه يستر عورات الحياة ويزخرف خبائثها، فيريهم الحق باطلاً، والشر خيرًا، والتراب تبرًا ويغمض أعينهم عن خطاياهم وشرورهم، ولولاه لانكشفت الحقيقة للناس، وفُضِح ما استتر من أمرهم، فهل هي السياسة التي تتطلب من حكامها كثرة الأقوال وقلة الأفعال؟!
يمكننا أن نرصد بعض السمات التي يتسم بها مجتمع السياسة في العراق ونقص في الالتزام القانوني والأخلاقي لصناع السياسات بمراعاة المصالح الحقيقية لجميع المواطنين ومنع تضررها، فلا تطغى أولوية على أخرى ولا يتسبب قرار ما في تعطيل أو تقويض قرار آخر. لكن صانع القرار يخلّ بواجبه تجاه تزاحم الأولويات الإنفاقية عندما يراعي في العقود والسياسات مصالح مفترضة لفئة أو شريحة سياسية معينة ويهدر مصالح عامة فعلية وباعتبارها حالات سلبيات يشاهدونها يومياً ويعانون منها.
و عندما تصبح إساءة استخدام السلطة العامة أمرا طبيعيا ومتواطأ عليه بين النخب الحاكمة، فلا يعود الفساد ومخالفة القواعد القانونية التي تنظم سير العمل الإداري والمالي في الدولة امر مهم بقدر ما تهمهم مصالحهم ، بل تمسى هذه القواعد نفسها مفصّلة على مقاس عمليات الفساد ذاتها و نكون عندها إزاء فساد متغلغل في البنى السياسية والمؤسسية للدولة، وهو ما يطلق عليه الفساد البنيوي، بمعنى أن الانحراف في صناعة القرار والسياسات والتشريعات يكون هو الأساس والحالة السائدة هذا ما نلاحظه بالعين المجردة ولا يحتاج الى مجهر ، ويكتسب شرعية الأمر الواقع بفعل تورط كثيرين في ممارسته من مختلف القوى السياسية بكل مسمياتها دون استثاء والتي تقود العملية السياسية وتدير الدولة من الاعلى الى الاسفل .
إنَّ كلَّ ما حصل ويحصل اليوم في العراق العزيز هو صدى لثقافة النفاق السياسي النكرة التي نشاهدها يومياً عبر شبكات القنوات الفضائية والاعلامية حين يتحدث مسؤول عن وجود فساد وهو غارق حتى انفه فيها ويزايد الاخرين.... وماهذا المطر الأحمر إلأهو نتاج تلك الغيوم السوداء التي تجمعت من صمت أفواه المواطن ضد الفساد والظلم من الخشية العقاب وخاصة وان اصحاب الدرجات الدنيوية الضعيفة هي المستهدفة الاولى ،
أمَا تكفي تلك العواقب اما يكفي هذا الصمت للخروج منه ..؟ ولم يبق لنا بيت إلا وفيه شهيد أو معتقل أو معاق والفقر يردح قاماتهم اثر الجوع والمعاناة والبطالة وسياسات التجويع التي تمارس ببطئ وهناك الملايين ما بين مُهَجّر ومُهَاجِر ؟
مما يؤسف في القول، ان الشعب أصبح يستغيث من الذبح ويذبح وهو ساكت عن الحق لانه اغرق بالمشاكل والازمات وما من مغيث إلا البكاء على أشلاء الضحايا بصمت او ينتظر الوعود الكاذبة على لسان المنافقين من أجل النجاة، و أشد سوءا من حاله في مسألة اتباعهم الأعمى لمواقف قادة الاحزاب والكتل وانشغالهم بطعامهم وشرابهم ومتاعهم متناسين أنَّ العقل والتفكر والتأمل والإيثار من أبرز صفات الإنسان.
قال الله تعالى:” أمْ تَحسبُ أنَّ أكثرهُم لا يَسمعُونَ أو يَعقِلونَ إنْ هُم إلا كالأَنعَامِ بل هُمْ أَضلُّ سَبيلًا” فلم تعد تلك المشاهد من الأشلاء الممزقة والأبنية المدمرة والخيام المتهالكة للمهجرين تثير مشاعرهم واحاسيسهم وتتبلور اهداف هؤلاء لضعف الحصانة الفكرية والثقافية والسياسية والأخلاقية بمختلف أشكاله ومظاهره وعلى وجه الخصوص النفاق السياسي و أمام طابور المنافقين الذي عادة ما يتنامى تعدادهم وتأثيرهم في المراحل الحاسمة والظروف الاستثنائية المعقدة التي يكون فيها المجتمع غير مطلع بفنونها، ويكون المواطن مهيأ بصورة غير عادية لتقبّل ما يبثه المنافقون من دعايات كاذبة ومقولات تضليل مريبة وإشاعات لتزييف الحقائق والترويج لثقافة الحقد والكراهية وبث روح اليأس وثقافة الهزيمة، وممارسة مختلف أشكال الوقيعة والدس الرخيص وجميعها تهدف إلى تدمير عوامل الثقة.
الحالة ( النفاق السياسي ) تعتبر من اخطر الحالات وأكثرها فتكا وأشدها تدميرا للمجتمعات بكل أشكاله، ويعتبر نفاق الرأي العام أخطر أشكال النفاق السياسي وأشده وظاهرة بدء الدعاية الانتخابية المبكرة لشخصيات سياسية ودينية إلان لتنفي عن نفسها الفساد ولجني مكاسب وامتيازات من المال العام واغفال المواطنين بالامتيازات أو مقابل خدمات غير قانونية أو التزوير .
ان مهمة المثقف والمبدع الحريص والمشبع بالمواطنة والذي هو جزء من المجتمع مهمة شائكة وكبيرة لكشفها والتي يعاني كما يعاني أبناء المجتمع ككل والعمل لانقاذهم من تلك السموم والأدران النفسية التي يعاني منها البعض بشكل شخصي لكنهم لا يودون مفارقتها، وهي أشبه بذلك الدخان الضار والخانق الذي يتمسك به الناس ولا يحبون مفارقته رغم ضرره وعليه ان يتحمل المسؤولية الوظيفة الاجتماعية والنقدية والأخلاقية و ينوب عن أبناء شعبه الذين يشاطرونه نفس المعاناة ويمرون بنفس الانتكاسة لإيصال صوتهم للرأي العام دون خوف وبحرية ولا تهزهم العواقب والقوانين التي تنوي اسكاتهم في كشف إطار الفساد البنيوي الذي تشبعت به ثقافة النخبة السياسية المتواطئة مع الفساد و التي تتصدر المشهد.
ومن صوره السعي إلى كسب ود المجتمع بمجاملته ومداهنته على حساب الواقع والحقيقة و انشغال أشخاص يزعمون أنهم مناضلون من أجل مكونات الطوائف والعشائر والمذاهب بالترويج لأنفسهم في وقت تعيش فيه البلاد أوضاعا كارثية يدفع الجميع ثمنها ليعتاشوا على حساب مستقبل تطور وتقدم ونمو البلد باستغلال وسائل الاعلام المختلفة للتستر خلف ممارساتهم وتضيعها على المواطن.
*باحث واعلامي
https://telegram.me/buratha