عمار محمد طيب العراقي ||
وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (157) وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ (158) (آل عمران)
امسك قلمي بكل عناوين الفخر، مزهوا بكوني كنت قريبا من ساريتي علم الجهاد العالية، وبيرقي شهداء كل العصور، المحلقان في أفق الفضاء، بين سماء الميدان في أرض الإسلام من طولها الى عرضها، وبين أرض محرابيهما ومصلاهما، الغارق بالدموع من خشية الله! مثالاً ونموذجا وشاهدا للحق، يتخذها الناس مائدة! يتذوقون الحق منها بشراهة، بكف فطرتهم وبراءتهم!
الشهادة ليست حدثا مؤلما؛ ينغص على الأحياء أيامهم، بفقد عزيز لهم يرحل كباقي الراحلين عن الدنيا، أو كما سيرحلون هم في لاحق الأيام، وهي ليست طريقة في الموت يفرضها عدو، على من سيطلق عليه لاحقا لقب الشهيد!..
هي أيضا ليست عملية عبادية كسائر الأعمال العبادية، ليست كالحج مثلا؛ الذي يؤخره أكثر المكلفين الى آخر العمر، ليحصلوا في ذلك الهزيع على لقب "حاج"، يختمون به حياتهم، ويكتب أمام أسمائهم في لافتات النعي!
الشهادة حق إختيار لخيار واحد، وواحد فقط ؛ يقدم عليه من وهبه الله هذا الحق، فهي إختيار "واع"؛ يقدم عليه من "يعي"؛ أنه لا يمتلك في معركة "الوعي"، إلا سلاحا واحدا هو ذاته ووجدوده، فتتحول الشهادة عنده؛ الى منهج للسلوك وطريق للحياة.
الشهادة "حظ"؛ لا يناله إلا الموقنين بإن حياتهم في مماتهم، الشهادة مسألة عقيدية تعني فيما تعني، أن من يقدم عليها؛ وصل الى لحظة الوعي، بأن عقيدته باتت مهددة في وجودها، وأن في فناءه بقاء وديمومة لعقيدته.
الشهيدان الذين اكتب عنهما وانا اخشى ان أذكر أسميها، مرتعشا أمام هيبتهما وجلال قدرهما؛ كانا يحملان قضية ليست كباقي القضايا، فهي ليست قضية عاطفية صرفة، أو قضية حق ضائع فحسب، وانما قضية واجهت المخاطرة بالوجود، والهوية والتجربة الاسلامية.
الذي يفهم لماذا أنا متحرج من ذكر اسميهما الجليلين، وحينما نفهم ذلك جميعا؛ سندرك أنهما حينما أقدما على قبول خيار الشهادة، فإنهما كان يؤسسان لمنهج؛ سيبقي دين الله الى أن يشاء الله، وألى أن يتحقق الوعد الألهي، بدولة يملؤها قسطا وعدلا، بعد أن ملئت ظلما وجورا..
كما كان لـ"عمار إبن ياسر"كلمات ختم حياته بها مع آل "محمد"قائلاً: (اللهم إنك تعلم أني،لو أعلم أن رضاك في أن أقذف بنفسي في هذا البحر لفعلته،اللهم إنك تعلم لو أني أعلم أن رضاك في أن أضع ظبة سيفي في بطني ثم أنحني عليها حتى تخرج من ظهري لفعلت،وإني لا أعلم اليوم عملاً أرضى لك من جهاد هؤلاء الفاسقين،ولو أعلم اليوم ما هو أرضى منه لفعلته، والله لو ضربونا حتى بلغوا بنا سعفات هجر،لعلمنا أنا على الحق وأنهم على الباطل).
ختم الأشيب الأول حياته بوصية قلما يوصي بمثلها موص:( إلهي! رأسي، وعقلي، وشفاهي، وحاسّة شمّي، وأذني، وقلبي، وكلّ أعضائي وجوارحي غارقة في هذا الأمل؛ يا أرحم الرّاحمين! إقبلني؛ إقبلني طاهراً؛ اقبلني بأن أكون لائقًا للوفود إليك.
لا أرغب في شيءٍ سوى لقياك، فجنّتي جوارك، يا الله!
إلهي! لقد تخلّفت عن قافلة رفاقي.
إلهي! أيّها العزيز! لقد تخلّفت لسنوات عن القافلة، وقد كنتُ دوماً أدفع الآخرين إليها، لكنّي بقيت متخلّفًا عنها، وأنت تعلم أنّي لم أستطع أبداً نسيانهم، فذكراهم وأسماؤهم تتجلّى دائماً لا في ذهني بل في قلبي وفي عينيّ المغرورقتين بدموع الحسرة.)
الأشيب الثاني الطائر البصري الجنوبي الأسمر، توجه الى لقاء ربه وهو يتلو بصوته وصية ما قبلها نظير :( "هدفنا هو رضا الله وخدمة الناس مهما كانوا سنة أو شيعة أو مسيحيين أو أيزيديين".
وقال أيضاً "لم نأت بغاة بل خرجنا للاصلاح والقضاء على الارهاب وأن يعيش العراق بسلام وأمان، وكل الذين قدموا الدم هدفهم مرضاة الله وإشاعة الامن والسلام ورفع الظلم عن كل مظلوم في المنطقة عموماً".
" إنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ" (111)التوبة
حسبي الله..
25/12/2020
ـــــــ
https://telegram.me/buratha