قاسم العجرش qasim_200@yahoo.com ||
تدفع أخبار الزيارات التي يقوم بها سفراء الدول، خصوصا سفراء الدول الكبرى منها، الى الزعامات السياسية والدينية في العراق، الى إثارة عدد كبير من الأسئلة، التي تحوم بمعظمها بالنتيجة، حول ضمور الدولة ونظامها، لصالح تغول الطبقة السياسية والأكليريك الديني.
على ضفة رجال الدين الذين يستقبلون سفراء الدول ويجتمعون بهم، وتخرج تصريحات عن مكاتبهم تتحدث عن أجواء الزيارات وما تمخض عنها، فإن الأمر سيكون قابلا للتفسير؛ إذا كانوا قد أعلنوا إنغماسهم بالحياة السياسية، أو كانت أدبياتهم وكتبهم تكشف عن إندكاكهم بالحياة السياسية، لكن الحال أنهم غالبا ما يثقفون أتباعهم ضد العمل السياسي؛ وخصوا أذا كان ينحى نحو التنظيم والنشاط الحزبي، وهذا ما يضع لقاءاتهم مع السفراء والفعاليات الديبلوماسية في دوائر الإستفهام.
على صعيد رجال السياسة وقادة الأحزاب والكتل السياسية، فإن أذهاننا تستعيد روح الدستور، كثابت يلزم جميع المواطنين الأخذ به والإذعان له، وهذا الثابت تحدث به جل فقهاء القانون الدستوري في العالم والذي مناطه ،أن صاحب السيادة الأصلي والوحيد هو الدولة.
الدولة كنظام منبثق عن العقد ألإجتماعي مع الشعب، تجعل السيادة حق يعود إلى الدولة، وهي سيادة لا تعطي الحق لغير الدولة بممارسة أفعال سيادية، مهما علت منزلتهم السياسية والدينية، ولا ريب ان العلاقات الخارجية لدولة ما، هي فعل سيادي محض، وهو حكر على الدولة وأجهزتها المعنية.
سنستمع الى ردود متشنجة على مقاربتنا هذه، وسيقول رجال السياسة وقادة الأحزاب والكتل السياسية؛ أنهم يبحثون في لقاءاتهم مع ممثلي الدول الأخرى، مصالح العراق والعراقيين، بالضبط مثل ما تقوله نصوص البيانات، التي تصدر إثر لقاءاتهم التي عنيناها، وهذا قول متهافت مردود، لأننا بلد يدار بنظام حكم يفترض ان يكون مؤسسيا، لا سيما وأن الحكومة هي نتاج العملية السياسية الديمقراطية، وأن لدينا جهات رسمية متعددة، يجد الساسة أنفسهم فيها.
الساسة ممثلون في مجلس النواب، وبأمكانهم تحقيق مصلحة العراق والعراقيين التي يتمشدقون بها، عبر لجنة العلاقات الخارجية للمجلس، كما أنهم موجودون في وزارة الخارجية عبر أتباعهم المبثوثين في الوزارة، فضلا عن ان وزارة الخارجية هي الجهة الوحيدة الحصرية للتواصل الدبلوماسي والقنصلي، لذلك فإن تواصل السياسيين مع السفراء والقناصل وممثلي المنظمات الدولية أمر لا يجد تبريرا مقبولا، بل يضعهم في دوائر الشك والريبة، ومنها دائرة التعامل اللامشروع مع جهات أجنبية، وهي دائرة يمكن ان تتحول الى حبال تلتف حول أعناقهم، فيما لو كانت لدينا دولة حقيقية، وأجهزة امن وأستخبارات معنية بشكل حقيقي بمكافحة التجسس..
سيقول الساسة أنهم يجرون لقاءاتهم مع ممثلي الجهات الأجنبية في العلن، وتحت أضواء وسائل الإعلام، وهنا بالضبط تكمن معاول هدم الدولة، ومن هنا تبدأ عملية إضمحلالها وإستنزافها، بعد أن حل الساسة بالعلن وأمام وسائل الإعلام، محل الدولة في واجباتها المنوطة بها دستوريا..
اما قصة لقاءات رجال الدين مع الجهات الدبلوماسية الأجنبية، فهي قصة ما بعدها قصة، فمع التسليم بالنوابا الصادقة لكثير منهم، طلبا لفعل الخير وبحثا عن مصالح البلاد والعباد على حد تعبيرهم، إلا أنهم وفي كل الأحوال مواطنين، وإن لبسوا الجبب ووضعوا على رؤوسهم عمائم، وهذه الأردية لا تمنحهم أكثر من التبجيل والإحترام والحصانة الإعتبارية، لكن كونهم ضمن توصيف "المواطنين"، يجعل تواصلهم وبأي معنى أو عنوان مع الجهات الأجنبية الرسمية، موضع إتهام مباشر..
حتى الأفراد الذين يمثلون ركن من أركان الدولة، ليسوا مستقلين بذاتهم ، وليس مسموحا لهم التواصل مع الجهات الأجنبية؛ إلا من خلال وزارة الخارجية حصرا، ولأسباب موضحة بالتفصيل.
الخروقات كثيرة؛ والتفسيرات المصلحية متفوقة، بإفتاء مصلحي لمعنى سيادة الدولة التي يعملون على قرضها، مثل الجرذان التي خربت سد مأرب!
كلام قبل السلام: في الأسبوع الفائت كان السفير البريطاني في الكاظمية المقدسة يتفقد رعاياه..!
سلام..
https://telegram.me/buratha