محمد مكي آل عيسى ||
تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي مقالة عن وصية أحد الشهداء وأنها قد وجدت بين ثيابه بعد استشهاده يبين فيها أنه لم يدافع عن الوطن لكونه غاليا وأنه كان يحب الحياة ولم يكن يتمنى الموت وأنه التحق بالقتال بسبب وضعه المادي الصعب وذلك هو الذي دفعه للقتال.
ويكيل هذا الشهيد المزعوم التهم لصديقه ويصفه بالمنافق لأنه كن يستدين منه فيتهرب هذا الصديق وبعد أن استشهد حمّل صديقه صورته على صفحته الخاصة في مواقع التواصل وبات يتغنى شعراً به
ثم يعود شهيدنا الخيالي ليكيل التهم للطبقة المترفة والحاكمة في المجتمع ومعهم قيادته العسكرية التي تأخذ منه الرشا .
وينهال على المشيعين لنعشه بكيل من التهم بأنهم جبناء يطلقون الرصاص في المناسبات ولا يشاركون في معركة.
ويختم وصيته بأن الشهداء فقط من الفقراء وأن القادة والمسؤولين في منأى عن ذلك.
وللأسف نالت تلك المقالة استحسان الكثير واعجاباتهم لزعمهم أنها تصف الواقع وتنطق بالحق . . الخ .
وبغض النظر أن كاتب المقالة لم يذكر لنا من هو هذا الشهيد للتحقق من الأمر
فإن هذه المقالة فيما لو دققنا النظر فيها لوجدنا أنها قد ارتكزت على تأجيج العواطف والعزف على أوتارها لاستمالة قلوب الناس الطيبين , لكنها في الوقت نفسه تعمد إلى تدمير الجانب الروحي للإنسان فتتوجه للطعن بمبدأ الشهادة وتوهينه وزعزعة عقيدة التضحية والفداء.
وقد أغفلت هذه المقالة جانبه تعالى تماماً , أغفلت أن التضحية والشهادة هي بتأسيس إلهي وهي التي عمل بها علي بن أبي طالب فبات في فراش رسول الله وكان حينها صبيا صغيرا لم يرَ من دنياه شيئاً
ثم , كم من شهيد وشهيد قرأنا وصاياهم ورأينا أخلاقهم وسمعنا توصياتهم فما وجدنا منهم سوى صور الإباء والشموخ والعزة والرفعة . . نعم الكثير من شهدائنا ومقاتلينا فقراء . . الكثير منهم ماتوا وقد لا تجد في جيوبهم حتى أجرة النقل التي يعودون بها لبيوتهم.
لكننا لم نسمع منهم الا ما ينم عن نفس مطمئنة راضية أغفلت النظر نحو الدنيا التي ما عادت تمثل بالنسبة لهم شيئاً.
عاشرنا مقاتلينا وقضينا معهم أياماً وليالي وما وجدنا منهم كارهاً للشهادة.
ثم من قال أن القادة والمسؤولين لا يستشهدون ؟ ؟
لقد ضحينا بأعز القادة وأغلاهم وأشدهم على الأعداء . .الا يكفي أننا خسرنا عشّاق الشهادة قادة الإنتصارات مهندس الحشد والجنرال العظيم ؟
إن المقال الذي يزعم أنه مما كتبه أحد الشهداء يقدح بكل مقاتلينا وينتقص منهم وللأسف هناك من يروّج له من البسطاء من غير تدبر في أبعاد هكذا مقالات . . إن مقال كهذا يهدف لضرب الروح المعنوية لكل من يرفض الظلم ويقف بمواجهته ويضعف ثقافة الشهادة في مجتمعنا الأبي.
لقد تأكد أعداؤنا أن مجتمعاً تعتبر فيه الشهادة كرامة من الله هو مجتمع لا يُغلب فما كان منهم إلا أن يفكروا كيف يطفئوا حرارتها.
وفي حالة واحدة أجد أن هذه المقالة واقعية وذلك فيما لو طبّقناها على زمن النظام العفلقي المقبور وحال الجندي في ذاك الوقت نعم كان الأمر كذلك أو إذا كانت في مجتمع مظلم لا يملك روح إباء الضيم ولا يعي معنى الكرامة كولايات الشيطان وحلفائها.
نعم .. ليس كل مقال يداعب مشاعرنا وينقل لنا صوراً تبدو واقعية معناه أنه مقال يهدف للحق فكثيرة هي المقالات التي تنقل لنا صوراً مأخوذة من الواقع لكنها لا تمثل منه إلا قطرة من بحر.
كل مقال فيه بكاء ودمعات . . فيه حنين ولوعات . . فيه مشاعر مرهفات . . علينا أن نتوقف عنده متأملين خشية أن يكون في الأمر دس للسم في العسل وأن الكاتب يهدف من تأجيج العواطف تمرير قضية أخرى
شهداؤنا أحبّوا الحياة لأنها سلّم رقيهم وعروجهم نحو العلي الأعلى أحبوا الأهل والأولاد لطيب نفوسهم وسعة صدورهم لكنهم أحبوا ما هو أكبر فانطلقوا يسابقون الموت حتى برز الذين كتب عليهم القتل لمضاجعهم وأكرموا بالشهادة فبدأت حياتهم الجديدة وهم فيها يرزقون فرحين مستبشرين.
فالله الله بشهدائنا لا تنسبوا لهم صفات أهل الدنيا . . لا تنتقصوا منهم بأن تتقوّلوا عنهم ما لا يرتضون من القول . . لا تنشروا ما لم تتأكدوا منه
الشهادة سلاح لا تمتلكه كل الأمم . . فلا تسمحوا لأحد أن يتعرض له . . والجهاد باب من أبواب الجنة فتحه الله لخاصة أوليائه .. فلا تغلقوه . . ودم الشهيد غالٍ فلا تبخسوه .
https://telegram.me/buratha