المقالات

لله في خلقه شؤون..كنت أحلم بالحرية

1288 2020-12-11

 

سعد الزبيدي* ||

 

كنت عائدا من غربتي قبيل الإحتلال بفترة قصيرة كنت متيقنا أن نهاية النظام باتت وشيكة غير أن هاجسا كان يجعلني أعتقد أننا سنغادر كابوسا لندخل كابوسا آخر لا نهاية له .

عندما جاءت الحرية على الدبابة الأمريكية كرهت الحرية وأيقنت أن الديمقراطية خدعة يضحكون بها على الشعوب .

كنت مؤمنا بأن أمريكا التي عبرت محيطات وبحارا لن تمنحنا سوى الفوضى ومزيدا من الخراب وأن وجهها البشع ونياتها الخبيثة سرعان ما ستنكشف ساعتها لن ينفع الندم لأني كنت أكره شيئا اسمه الإحتلال

كنت في زمن النظام السابق أحلم أن أصلي في الجامع من دون خوف أو رقيب لكن كان مجرد المرور من بيوت الله يعتبر تهمة قد تدفع ثمنها رقبتك.

وعندما صار بمقدوري ذلك أصبحت أخشى الذهاب للجامع لأنه أصبح أخطر مكان يتخرج منه المجرمون والقتلة والمشوهين خلقيا والمعقدين نفسيا حتى صار الجامع ليس بيت الله بل هو بيت ذاك الحزب أو ذاك أو هذا المذهب أو ذاك المرجع .

كنت أعشق الذهاب للمتنبي بحثا عن كتاب أو للقاء أصحاب الرأي والفكر وأقف على ضفاف النهر واستنشق رائحة الكتب القديمة وأقلب صفحاتها حينما كانت مصر تكتب ولبنان تطبع وبغداد تقرأ.

وعندما صار الشارع أداة للدعاية الرخيصة واستغله الساسة وبعض الأفاقين النكرات والباحثين عن الشهرة والظهور ومحاولة امتلاك ما يفتقدونه ليحاولوا أن يثبتوا للبعض أنهم أنصار المثقفين وتردد على الشارع من لاهم له سوى ألتقاط الصور ليخدع الناس بأنه مهتم بشؤون الثقافة وأنه محب للقراءة  وأنه على معرفة وصلة وثيقة مع كبار الكتاب والمؤلفين والادباء والفنانين حتى شاهدنا أشباه المثقفين وأنصاف الأميين يفتخرون أنهم من رواد المتنبي وبهذا أحجمت عن الذهاب إلى هناك أيام الجمع .

حلمت أن أقود تظاهرة وأعتصاما في ساحة التحرير تطيح بأصنام السياسة وفعلا شاركت وكدت أفقد حياتي وعندما أخترقت التظاهرات مخابرات دول ومولت بعض الدول التظاهرات وخططت لجر العراق لحرب أهلية تأتي على الأخضر واليابس وغرر بشباب كان همهم الخلاص وزج بالشواذ  ممن لاهم له إلا ابتزاز التجار وبيع الخيم والترويج لأفكار دخيلة ومفاهيم مغلوطة وممارسة الفواحش وتوزيع المخدرات والتعدي على مراجع الدين بنشر أفلام مشينة ومهينة لتسيء لصورة العراق والعراقيين والتسلق على أكتاف المضحين واغتنام الفرص والظهور الإعلامي الغايات معروفة وتمرير بعض الافكار عن سلبية المظاهرات أو تجيرها لبعض اصحاب المصالح قررت الإنسحاب وعدم التظاهر مجددا وعدم المشاركة إلا بعصيان مدني لا تستطيع الحكومة معه أن تقطع شارعا أو جسرا بأسلاك شائكة  بل الشعب هو من يقطع كل شيء حتى تلبى مطالبه فلن تنفع المظاهرات مع هذه المنظومة السياسية الفاشلة التي تستطيع اختراق أي تظاهرة وتنجح في اغتيالها أو كتم صوتها وتشتيت اهدافها بشتى الطرق المشروعة وغير المشروعة.

كنت أحلم بأن أسهر الليالي في منتديات يجتمع فيها المثقفون يتبادلون الآراء وأقضي الليل أسير على ضفاف النهر أو أتجول في شوارع بغداد ولكن لم تعد هناك منتديات تتناول الثقافة بل منتديات تنظر لهذا الحزب أو ذاك أو لهذا البرلماني أو ذاك ولم يعد هناك نهر ولا ضفة إلا احتلها السكيرون والمدمنون على شرب الأركيلة أو متعاطو المخدرات وأنتشرت محال بيع الخمور  بشكل لافت للانتباه بدل أن تنتشر المسارح والمنتديات الثقافية انتشرت أماكن لعب القمار تحت مستغلة اسم الصحفي والإعلامي والمثقف وانتشرت الملاهي حتى باتت العوائل تخشى حتى ولو المرور بالشوارع المحاذية للنهر خشية أن ترى ظواهر وممارسات سلبية وأفعالا مشينة يندى لها الجبين من خلاعة ورقص ومجون والطامة الكبرى أن كل هذه الظواهر تجري تحت حماية القوى الأمنية وصرنا مجبرين على أن نلجأ  إلى شوارع  ملات بالحفر ومخلفات الانفجارات وأتلال القاذورات والمياه الآسنة وسيطرات لا جدوى منها سوى كثرة الازدحامات والاختناقات المرورية حيث في الشوارع المظلمة يكثر قطاع الطرق .

كنت أحلم بوطن آمن يوفر الحرية والعدالة والكرامة والخبز لأبنائه وطن خال من الأمية والجهل والتخلف يتساوى الجميع فيه تحت مظلة القانون وطن التعليم فيه مجاني في كل المراحل في مدارس فصولها نموذجية وطن يقدس المعلم ويبجله ويحترم العلم والعلماء وطن خال من الأوبئة والأمراض في مستشفيات مجانية توفر العلاج والدواء للجميع حيث لا فقير ولا أطفال شوارع ولا متسربين من الدوام وطن  جميل بشوارعه وحدائقه تصل الخدمات من كهرباء وماء ومجاري للجميع وشوارع مبلطة وأرصفة جميلة فيه شبكة طرق وجسور حديثة وأنفاق ومتروات ونقل نهري واهتمام بالأماكن الأثرية والسياحية وطن يهتم بالمواطن لأنه اللبنة الأساسية لتحقيق كل هذه الأحلام .

كثيرة هي الأمنيات فما الذي تحقق منها سوى السراب؟

اليوم عدت إلى مقالاتي بعد الاحتلال لأجدني كنت متشائما بنظر البعض وربما بنظر نفسي ولكن اليوم أيقنت أني كنت متفائلا جدا فالواقع والمستقبل أكثر سوادا وعتمة مما نظن.

فهل تحقق شيئا من أمانيكم وأحلامكم؟!

و...لله في خلقه شؤون .

 

*كاتب ومحلل سياسي

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاكثر مشاهدة في (المقالات)
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك