قاسم العجرش qasim_200@yahoo.com||
صحيح أن الإعلام بات الصناعة الأكبر في العالم، لكن الإعلام السياسي يمثل الأوسع إنتشارا، فحسب تقديرات المتخصصين بعلوم الإحصاء والإستبانات، فإن الإعلام السياسي بمختاف صوره، يهيمن على 80% من النشاط الإعلامي العالمي، فضلا عن أن بقية أنواع الإعلام؛ وجدت نفسها مسخرة بشكل أو بآخر بخدمة الإعلام السياسي.
الكلام النظري يتحدث عن فصل بين المؤسسات السياسية والمؤسسات الإعلامية، لكن الواقع يكشف عن تداخل معقد بين النوعين، في حين ينظر السياسي للإعلام السياسي، على أنه "أداة" بخدمة أهدافه، ووسيلة للإقناع وتعبئة الرأي العام لتوجهاته، وليس أداة للتنوير والتعليم الموضوعي للجماهير..
السياسيون يميلون إلى صياغة الاهتمام الوطني في ضوء أجنداتهم، ويتصرفون مع الإعلاميين على أنهم؛ مجرد باحثين مستمرين عن نقاط ضعف الساسة، بالإضافة إلى نظرتهم المتوترة نحو الإعلاميين، فيما يختص بتوجيه اللوم، في حالة حدوث الأخطاء السياسية أو العسكرية.
السياسيون يعتقدون أنهم أنبياء السياسة، وأن مسؤولية تحديد أولويات الاهتمامات السياسية، منوطة بهم وحدهم، وأن مهمة الإعلام هي فقط ترويج تصوراتهم وتسويق نشاطاتهم، وذلك على النقيض من وجهة نظر الإعلاميين، الذين يؤمنون أن التسويق الإعلامي، لا يمثل إلا جزءا يسيرا من مهمتهم الأكبر، المتمثلة بصناعة رأي عام يخدم تطلعات الأمة.
لذلك فإن ثمة خصومة حقيقية متأصلة على أرض الواقع، بين السياسي والإعلامي، فالإعلاميون يرون أنهم، لا يمكن أن يؤدوا رسالتهم التي يعتقدون قدسيتها تحت سيطرة السياسيين، ولأن للسياسيين أياد طويلة، يمكن أن تنال من الإعلاميين في حياتهم وحرياتهم وأرزاقهم، فإن الإعلاميين على حذر دائم، وتوجس مستمر، في سلوكهم وتعبيرهم عن السياسيين.
الحقيقة التي لا مناص من الركون اليها، هي أن كلا الطرفين واقع تحت ضغوط الطرف الآخر، على الرغم من تشعب وتباين أهدافهما، وأيا كان التعارض بين أهداف الطرفين، فإن النموذج الأفضل لشكل العلاقة بينهما، هو نموذج الاعتماد والتكيف، الذي في إطاره يتم إنتاج مضمون الاتصال السياسي، اعتمادا على التعاون المتبادل بين الإعلاميين والسياسيين.
في هذا المسار، يسعى الإعلامي والسياسي، إلى التكيف أحدهما مع الآخر؛ فالسياسيون يحتاجون إلى قنوات اتصال جماهيري؛ تحظى بمصداقية لدى المتلقي، ولذلك فإن عليهم تكييف وتطويع رسائلهم، بشكل يتناغم ومتطلبات المنصات الإعلامية، سواء تعلقت هذه المتطلبات بالشكل أو بالمضمون، وبالمقابل فإن الإعلاميين لا يمكنهم تأدية مهمتهم في الاتصال السياسي، دون أن يكونوا على صلة إيجابية بالسياسيين للحصول على الأخبار والتعليقات.
مهمة الإعلامي الأساسية ليست تبرير تصرفات الحاكم، وإخفاء السلبيات والمبالغة في عرض الإيجابيات، أو شن حملات التسقيط والعداء على الخصوم والمنافسين، وليست من مهام الإعلامي، الوقيعة بين الحاكم، وأي اتجاه سياسي قوي في المجتمع يمكن أن يفضح مسلكه..
إعلامي من هذا النوع هو بالحقيقة بوق سلطة، ينهج في التعامل مع القضايا إسلوبا تسلطيا يتسم بالحدة والندية، لا يصدر في رأيه عن معلومات، بل يقيس نجاحه بمدى قربه من السلطة، ومدة ملازمته لأهلها في حلهم وترحالهم..
بوق السلطة يشعر الحاكم دائما؛ بأنه حاميه وسنده، ينفخ دوما في المخاوف، وفيما يضخم إعتراضات المنافسين السياسيين، ويصورها على أنها ذنوب، فإنه يخفي هموم وإنشغلات المواطنين ويسفهها، لكن الأخطر في تصرفات بوق السلطة، هو أنه يشعر الحاكم، بأن كل من حوله يتآمرون عليه.!
كلام قبل السلام: لم يتبق لي إلا أن أسمي بوق السلطة بالإسم..!
سلام..
https://telegram.me/buratha