د.حيدر البرزنجي ||
المجتمعات ومراحل تطورها
طالما استخدمم مصطلح ( العقل الجمعي ) في الإشارة الى تلك المجتمعات التي تسير أو تتبنى خطاباً الشعارات والمقولات التي تنعكس غالباً على مسارات تطورها ،وبالتالي تظهر قابلية استغلالها وتوجيهها من قبل أولئك الذين يمتلكون قدرة التوجيه والتأثير في الجموع ،وتعبئتها باتجاهات وأهداف معدّة سلفاً .
كما يتعدى ذلك الاستخدام الى (عقلية القطيع ) في خلط لامعرفي ،بين مجال العقل البشري وقدرته على انتاج الفكر وتطويره ، وبين الإنسياق للغرائز كمحرك للقطيع .
للعقل مجال اشتغالات تقع ضمن مفهومي الزمان والمكان / والسبب والنتيجة ، والمتحقق والمفترض ، والتجربة والبرهان ، والمادة والموضوع ، والتأمّل والاستنتاج ، والحواس والفكرة – الخ .
الوصول الى هذا المستوى من الاشتغال ، يتطلب استعداداً ومراناً وتهيئة ، قد لاتكون متاحة للجميع في المقدار ذاته ، لذا فتأثيرات الخطاب التعبوي والشعارات الهادفة لدفع المجتمع الى تبني قضايا بعينها أو جعل تلك القضايا في مستوى السلوك الطوعي ، قد يصل بالمجتمع الى مايمكن تسميته ب" الرأي الجمعي " الذي يتجسد سلوكاً أو نشاطاً جمعياً يتمحور حول معتقد أو توجه سياسي أو مفاضلة مجتمعية أو معتقدية – وهكذا .
لكن الرأي الجمعي ، كي يصبح سلوكاً جمعياً ، لابد من توفر شروط ومستويات ومحددات.
فإن ارتقى أكثر الى طرح مواضيع معرفية محورية ،نالت التفاف الأكثرية باعتبار موضوعيتها معرفياً بحسب أحكام العقل ومجال اشتغالاته ،عندها ينتقل المستوى الى الفهم الجمعي ، أي أصبحت هناك نخباً وجماعات ،وصلت الى مرحلة الاحتكام الى الموضوع ومايمثله .
أما وصول المجتمع الى مرحلة أرقى - الوعي الجمعي- أي تقدم أكثر في تطوره ، فذلك يعني الوصول الى مرحلة القناعات المشتركة والتفكير الموضوعي ، بأصل الحدث ومادته والمؤثرات فيه وظروف وقوعه ، عندا ينتقل المجتمع بشكل أكثر وضوحاً من الانفعال الى الاشتغال ،أي من ردات الفعل غير الخاضعة لمتطلبات العقل ، الى الافعال الناتجة عن معرفة بحيثيات الفعل وضرورة القيام به ، مع حساب عوامل نجاحه أو موانع النجاح .
أما " العقل الجمعي " فهي مرحلة طوباوية لم يصل اليها ايما مجتمع بعد ، فذلك يعني ان المجتمع وصل الى مرحلة تتعدى الوعي بالموضوع المعرفي ، الى خلق الموضوع ذاته – مرحلة الابداع والابتكار - .
يحصل ذلك حين تخلق الحكمة - باعتبارها من أهم منتجات العقل - ذلك الانسجام بين حركة المجتمع ونشاط الفرد ، بين تفوق المجتمع فيما يتبناه ، وتفوق الفرد فيما يبدعه ،فتجعل من المعرفة إنتاج فردي ، ومن تعميمها نتاج جمعي ، أي أن المكتشفات والمخترعات العلمية والإبداعات الجمالية ، عممت بالنتائج وخصصت بالاكتشاف – فرد يبدع ومجتمع يتبنّى - وفيما يُعنى العقل الفردي بالتدقيق في خصائص الأشياء التفصيلية لاكتشاف كنهها وماهيتها وطبيعة تركيبتها وعلاقة أجزائها وتكويناتها ، أي كلّ ما من شأنه التحديد في الشيء، يذهب الفهم الجمعي إلى التعميم والشمول والإجمال ، أي إن الإنتاج الفردي يتحول إلى منتج جمعي في مسار انتقاله من حالة إلى ظاهرة .
ـــــــــ
https://telegram.me/buratha