عمار محمد طيب العراقي||
الصدمة هي فعل سيء نتعرض له من غير أن نتوقعه، من مؤداه أننا نفقد الوعي والتركيز، وإذا كانت الصدمة مصنوعة بشكل قصدي من قبل عدو أو خصم، فإنه يستغل الحالة المتردية التي نصبح فيها، ليستطيع تمرير ما يريد ويحقق أهدافه، ممارسا أفعال بالغة الضرر علينا، ليربح هو مكاسب هائلة.
يقوم معتنقو نظرية الصدمة على استغلال أو صنع كارثة، سواء كانت انقلاباً، أو حرباً، أو انهيار اقتصادي، أو حتى كارثة طبيعية، وهنا يظهر صبيان هذه المدرسة ليعرضوا الحل على الهدف المنكوب، وهو ما يعرف بـ “المعالجة بالصدمة”، والمعالجة دائما تكون في تطبيق مخططات أصحاب هذه المدرسة الخبيثة.
منذ أن تحقق الإنتصار الكبير على الدواعش، بفضل مرجعية الفتوى التي خلَّقَت كائنا أسطوريا أسمه الحشد الشعبي، أستطاع أن يقلب المعادلات والتوقعات، وأن يهزم الشر، ويؤسس لواقع جديد يقف بصلابة أمام مخطط صهيو أمريكي اعرابي رهيب، والعراق يتعرض لسلسلة معقدة من الصدمات، هدفها وأد التجربة العراقية الجديدة، بعدما تيقن اصحاب المشروع أياه، أن في نجاحها مقتلهم..
كي نفهم ما الذي فعلته هذه المدرسة التي تقطر سما في العراق، دعونا نمعن النظر فيما فعله نظراء هذه المدرسة في إحد بلدان أمريكا اللاتينية في سبعينيات القرن الماضي.
كانت تشيلي آنذاك جمهورية تقدمية، يقودها زعيم عصامي هو سلفادور أليندي، وهو طبيب انتخب بشكل ديموقراطي. شغل منصب رئيس جمهورية تشيلي من 1970 وحتى 1973، كان صاحب عقلية تحررية، تهدف لتأميم اقتصاد بلاده، وكانت جمهورية تشيلي تحت حكمه مثال يحتذى به، استثمرت في مجالات الصحة والتعليم والاقتصاد، أمام هذا التقدم والاقتصاد المزدهر، شعرت الشركات الأمريكية بالقلق الشديد وتهديد حقيقي لمصالحها.
لكى تتمكن أمريكا من ضرب الاقتصاد التشيلي، أبرمت جامعة شيكاغو اتفاقية مع الجامعة الكاثوليكية في تشيلي، وعلى اثر الاتفاقية جاء عدد كبير من طلاب تشيلي للدراسة في شيكاغو، عاد الطلاب لبلادهم ليعلموا غيرهم، وهكذا يتم محو النظام الاقتصادي القائم واستبداله بالرأسمالية بالتدريج...تماما كما فعل الأمريكان في العراق عندما رعت سفارتهم برامج واسعة ومكثفة لتجنيد آلاف الشباب للعمل لصالحها ..!
خاض أليندي انتخابات تشيلي، و على الرغم من محاولات الـ CIA عرقلة فوزه إلا أنه فاز، فعملت أمريكا بكل طاقتها على زعزعة الاقتصاد، تارة عن طريق الطلاب التشيليين الذين درسوا في شيكاغو، وتارة بدعم الإضرابات العمالية، وخلق الاضطرابات في البلد، وانقلابات عسكرية فاشلة.
في 29 يونيو1973 نجح الانقلاب العسكري بقيادة “بينوشيه”، وتم قتل أليندي وألقى الفاشي “بينوشيه” بيان لخداع الشعب، بانه انقذ البلد من خطر أليندي! وان البلاد تخوض حرب دروس، وان كل ما يفعله هو بدافع الوطنية وإنقاذ بلاده، بعده انتشرت دبابات الجيش في كل مكان، وقاموا باعتقال 13000 من معارضي الانقلاب، وتم تعذيبهم في ملعب سانتياغو عاصمة تشيلي.
في ظل تلك الأجواء القمعية وصدمة الشعب بعد الانقلاب، قام” بينوشيه” بتطبيق أفكار الصدمة، فأزال الرقابة عن الأسعار، وباع الشركات المملوكة للدولة، وأزال حواجز الاستيراد وخفض الإنفاق الحكومي..تماما مثل ما يحصل في العراق هذه الأيام..!
بسرعة ظهر فشل"بنوشيه جليًا، فبعد أقل من عام واحد بلغ التضخم 375%، وهو أعلى معدل في العالم، زاد النظام الرأسمالي الأغنياء غنى والفقراء فقرًا، أما الأسر متوسط الدخل فهي تنفق 74%من دخلها على الخبز فقط! وتوقف دفع الرواتب والأجور، وأزداد اجر الحافلات والسلع، وبات كثير من أفراد الشعب يقضون اوقاتهم هائمين على وجوههم، يبحثون عن كسرة خبز في مكبات القمامة..تماما مثلما تفعل كثير من الأسر الفقيرة في العراق هذه الأيام..!
تقول الكاتبة الكندية “ناعومى كلاين” عن أحداث العراق:” تعرض العراق لثلاث أشكال من الصدمة، صدمة الحرب، تلاها مباشرة العلاج بالصدمة الاقتصادية، التي فرضها بول بريمر، ومع ازدياد المقاومة للتحول الاقتصادي، بدأت صدمة الإكراه متضمنة التعذيب” تماما مثل ما يحصل في العراق هذه الأيام..!
لقد تحول العراق من دولة إلى ركام من خراب ودمار، فكان العراق يدل على فشل سياسة الاحتلال، وأزيح عادل عبد المهدي والغيت الأتفاقية الإقتصادية الواعدة مع الصين، والغي عقد كهرباء سيمنز الألمانية، وأوقف العمل بميناء الفاو الكبير..وليذهب العراقيين إلى الجحيم، المهم أن مواقع التواصل الإجتماعي تعج بالثناء على الحكومة!!
الوضع القائم الآن في العراق تطبيق حرفي لنظرية الصدمة، والدولة كلها خاضعة للتنويم المغناطيسي..
متى نستفيق؟!..
سنستفيق إذا عدنا الى مثلث الشعب المرجعية الحشد..!
ـــــــــــ
شكرا
8/11/2020
https://telegram.me/buratha