عمار محمد طيب العراقي||
في موضوع بناء الدول وتشكلها وقيامها، ثمة عوامل لمسارات صيرورتها، وهي تشبه الى حد بعيد؛ عوامل حياة الكائن الحي: طفولة فصبونة، ويفوعة، ومراهقة، وشباب ورجولة، وكهولة وشيخوخة، ثم القبر..!
بعض الدول، لا سيما تلك التي تتوفر، على عوامل البناء الثابت المنطقية، تمط تلك المراحل مطا: طفولة قوية تامة، صبا كأنه يفوعة، يفوعة سليمة جميلة؛ تكاد تكون مراهقة، مراهقة شبابية عارمة لكنها مكتنزة، شباب طويل وكأنه دائم، رجولة شمولية راسخة، كهولة الوقار الجميل، التي لا تقترب من الشيخوخة أبدا.
هذه الدول؛ تقوى أساسات بنائها ويرسخ مشيدها، وفي المقابل؛ هناك دول تحرق المراحل، وتذهب الى شيخوختها بسرعة، فتتحلل وتذوي؛ لأنها لا ثبات منطقي لها، وهذا منطق التاريخ.
في هذا الصدد، وكي نبني دولة راسخة لا تقترب من الشيخوخة والموت، ثمة حديث يأخذ مداه الواسع، إن على صعيد القوى السياسية الماسكة بزمام الأمور، أو على صعيد الحكومة وقوى الشارع، ويتعلق هذا الحديث بضرورة تمكين الشباب، وفسح المجال أمامهم كي يقودوا العملية السياسية، بأحزابها وحكومتها وبرلمانها وباقي تفاصيلها المعروفة..
الحقيقة أن لهذا الحديث مبرراته الموضوعية، فالطبقة السياسية المتصدية للمشهد، تخضرمت بين المعارضة، وبين إنتماءات سابقة، لكثير من رجالاتها للبعث بعنوانه المعروف، وبين سبعة عشر عاما، لم تستطع أن تحقق الحد الأدنى من طموحات شعبنا، بعد تغيير نظام القهر الصدامي.
بلا مواربة؛ أقول أن السياسة والسياسيين عندنا ضعفاء جدا، وإن تلبسوا بلبوس السطوة والقوة، ومعظمهم تنقصهم الخبرة والحنكة السياسية؛ لأنهم لم يمارسوها بل مارسوا "المظهرية السياسية"، وهو إصطلاح يعني إلباس القضية ثيابها الخارجية فقط، أي الإعتناء بمظاهر الموضوع، دون مقاربة جوهره .
بعضهم الآخر؛ ونتيجة لظروف العمل السياسي في المعارضة، تشبع بأجواء عقلية المؤامرة، فضلا عن أن النظام السابق، لم يتح الفرصة لغيره لممارسة العمل السياسي، حتى تتراكم لدى السياسيين الخبرة والتجربة.
بالمقابل هنالك من هو سياسي عركته الظروف، والتاريخ والدافع الوطني والفطرة، ما يجعله يستطيع أن يعمل بالاتجاه الصحيح.
بين الشباب الذين وضع الساسة أنفسهم أوصياء عليهم الى الأبد، حيث يصفونهم دوما بأنهم لا يمتلكون الخبرة، وكأن الخبرة تقاس بالأعمار، وليس بالتحصيل العلمي والمثابرة وتراكم المعارف، وبين من عركتهم الظروف، ثمة من جاء يمتهن السياسة وهو جاهل بها، ولا يتوفر على الحد الأدنى من المعارف السياسية، لكنه دخل المعترك السياسي تدفعه مصالحه الذاتية أولا، والفئوية أحيانا، لذلك فإن نظره محصور بهذا الإتجاه، فيقع في أخطاء سياسية جسيمة.
على هذا الأساس، ولأن مثل هذه الفئة الأخيرة من السياسيين، هم من يتسيدون مساحة المشهد السياسي، فمن حقنا أن نتوصل الى نتيجة مؤداها، انه لا يمكن لهذه الحكومة أو لهذا البرلمان، إن يحققا الأمن والاستقرار للبلاد، كما ان ليس بمقدورهم أن يصنعوا الرفاه للعراقيين.
إن الذي يستطيع إن يفعل ذلك؛ هو نظام وهيكلية دولة جديدة، وقيادات لهذه الدولة تتمتع بأفق نظيف، يمكن إن تنقذ البلد من محنته، وتجعله أفضل من كل البلدان المجاورة، لاسيما وأن العراق يمتلك من الثروات البشرية والمادية، ما يمكنه أن يمضي قدما وبإطمئنان نحو المستقبل.
مع أن الهجمة على مستقبلنا قد حققت نقاطا مهمة لصالح المشروع الصهيو امريكي أعرابي،، لكن أمامنا فرصة قريبة، لأن نتوصل لبناء نظام جديد، عبر إختيار عناصر جديدة له في الإنتخابات القادمة، ما لم يلعب ساسة السوء لعبتهم، وينسجون إنتخابات مفصله على مقاسهم، أو ربما يؤجلون القيام بها، بدواع أمنية يصنعونها هم، حتى وإن لم تكن موجودة..!
الحقيقة أننا سنبقى مختلفين في وجهات النظر، لأن الإختلاف من طبع البشر، وسبب ذلك حرص الإنسان على ما تحت يده، ولا يمكن ان نمضي نحو مستقبلنا مالم نسلم ما بيدنا الى أولادنا عن طيب خاطر، مع تعهدهم بالحنو والتوجيه والرعاية..وإلا فإنهم سيخرجون مؤخراتهم عراة، كما فعلوها على رؤوس الأشهاد في ساحة التحرير، رغم أن ذلك كان قلة أدب..!
شكرا