قاسم العجرش qasim_200@yahoo.com ||
اللافت أن أغلب الرؤوساء الأمريكان خدموا لفترتين رئاسيتين، وغالبا ما يتم إعادة إنتخاب الرئيس ليس لحسن أداءه في الفترة الأولى، بل لأن من صنعوا الرئيس، قد توفرت لديهم عناصر الثقة به، بأن ما بناه في الفترة الأولى يستحق أن يتمه..
ولم يشذ ترامب عن هذه القاعدة، ففي الفترة الأولى كانت الإستراتيجية مترعة بالوعود والمعارك الكلامية، وفتح الجبهات مع أو ضد، الإستراتيجية في الفترة الثانية ستكون التخلي عن تلك الوعود..!
في إستراتيجيته الجديدة؛ كانت محاور ترامب هي ذاتها التي تبناها الرؤساء الذين سبقوه، لكن الفرق بينه وبينهم، أنه "أدبسز" و"سرسري"، فيما هم كانوا "هتلية"..!
ثوابت السياسية الأمريكية معروفة تماما، وهي تدور في مدار نظرية حقول المصالح، وحيثما لأمريكا مصلحة، فإن على الرؤساء الأمريكان حماية تلكم المصلحة، بمستوى أعلى من مقدارها، فيوفرون وسائل الحماية ويضعونها أمام المصالح بمسافة، حتى لا تتعرض المصالح لضربات مفاجئة..
لذلك فأنهم عندما يُلجأون الى القتال لحماية مصلحة لهم، أو تهمهم في مكان ما، فإنهم لا يقاتلون خلف الهدف، ولا فوقه، بل أمامه بمسافة توفر لهم؛ إمكانية المناورة المحسوبة..تلك هي عقيدتهم الإستراتيجية السياسية والعسكرية والإقتصادية..
الإستراتيجية الأمريكية تتوفر على تفاصيل كثير؛ة لكن خطوطها العامة هي: أمن أمريكا ومواطنيها وحلفاؤها وشركاؤها..اقتصاد أمريكي قوي ينمو ويعتمد على التطور النوعي، في مجال إقتصادي عولمي مفتوح، وإرغام الحلفاء والخصو؛م على إحترام المصالح الأمريكية العامة، في أمريكا ذاتها وحول العالم، واستمرار بناء النظام العالمي القطبي، وتطويره بقيادة أمريكا بشراكة قوية، مع أوربا وأسرائيل واليابان وكوريا الجنوبية لمواجهة التحديات.
في الإستراتيجية التي اعتمدها ترامب، لم يعد ثمة وجود لمفهوم الحرب الإستباقية، الذي روج له بريجينسكي وتبناه بوش الأب والابن؛ إذ أن وضع أمريكا وحلفائها؛ لم يعد يتحمل حروبا مباشرة، نعم يمكن للرئيس اللجوء الى حروب النيابة واستغلال أي أداة ممكنة..وفي هذا الصدد ليس ثمة قيم وأخلاق على الإطلاق!
في العراق قاتل ترامب العراقيين الرافضين لوجوده، بعراقيين صنعهم وأنفق عليهم بسخاء، ليكونو متناغمين مع أطروحته، فكان تشرين بكل قيحه وآثامه المثال!
إقليميا فإن أعداء الأمس يمكن أن يكونوا حلفاء اليوم، وحلفاء الأمس أذا لم يعد بإمكانهم تلبية متطلبات التحالف، فإلى حيث وبئس المصير، والسعودية ومن معها الى قير...!
والذي يحصل اليوم في الساحة الإقليمية التي تحيطنا، ترجمة نصية لهذه الإستراتيجية.. "القاعدة"صنعتها أمريكا لقتال السوفييت الروس في أفغانستان، ثم حاربتها بعد خروج الروس، أمريكا هي التي "سمحت" بتشكل نشاط للقاعدة في العراق، لوأد تشكل أي شكل من أشكال التعاضد أو التحالف؛ بين الوضع الجديد في العراق وجمهورية إيران الإسلامية، وحينما مات تنظيم القاعدة في العراق والمنطقة، سارع الأمريكان لإنتاج داعش..
في هذا السياق؛ فإن ما يحدث في العراق؛ منذ أن أجهض العراقيين الحلم الداعشي في نهاية عام 2017؛ ليس ببعيد عن هذا النهج، إن لم يكن في صلبه..فالخوف قائم لدى حلفاء أمريكا، من تشكل قوة إقليمية كبرى، من عراق الحشد الشعبي وأيران وسوريا والمقاومة اللبنانية، ولذلك لن يسمح الأمريكي بزوال داعش، ما لم يستكمل بناء ما أفرزته عورة تشرين من واقع جديد، جعل الأمريكي يتصرف وكأن زمام الأمور باتت كاملة بيده..
إذا فهمنا الأمور على وفق هذا التصور الواقعي، سنستطيع أن نقرر أين نضع أقدامنا، في غابة المصالح الأمريكية التي أُرغمنا على الدخول فيها قسرا في 942003..يتعين على قادة الشيعة أن يقرروا بحصافة ما هي مصالحنا، مثلما يبحث الكورد والسنة عن مصالحهم، ومصالحنا بالتأكيد ليست مع أمريكا وأدواتها وحلفائها، ليس لأختلاف العقائد وحسب، بل لأننا لسنا وإياهم من سنخ واحد...!
كلام قبل السلام: من أَمِنَ الزمان خانه، واحذروا من لا يرجى خيره ولا يؤمن شره..!
سلام..
https://telegram.me/buratha