عامر الحسون
لم يبق سوى سويعات على مخاض امريكا الانتخابي الأخطر في التاريخ المعاصر ، فيما العالم يحبس أنفاسه متحسِّباً ، قلقاً ، مترقباً لمآلات ذلك على جميع الصُعد !
الحدث رغم خصوصيته القُطرية إلاً انه اكتسب اهمية عالمية غير مسبوقة هذه المرة لانه يؤسس لوضع امريكي ومعادلات سياسية واجتماعية واقتصادية داخلية تتجاوز النمطية الامريكية المعهودة ، خاصة وان التوقعات تشي بانقلاب قهقري على مستوى (المُثل) والمباديء الاميركية التي لطالما تبجحت بها الحضارة والادارات الاميركية المتعاقبة .
ولعل المراقب للاداء الانتخابي حتى الان وخاصة من طرف الرئيس المهدد في سلطانه (ترامب) يشعر بمدى الانحطاط وعمق الازمة التي تعاني منها امريكا مجتمعياً وسياسياً وحضارياً و التي كشف ترامب عورتها على اقبح صورة .
الثالث من نوفمبر ٢٠٢٠ - غداً الثلاثاء - سيكون حدا فاصلاً في تاريخ امريكا الحديث وقد يكون كذلك بالنسبة للاخرين ،وخطورة ذلك ستكون اكبر اذا ما جاء مخاض امريكا بولادة قيصرية مشوهة مرفقة باضطرابات امنية وطعون بالمصداقية والنزاهة والتزوير ، بل ورفض النتائج .
القدر المتيقن ان انتخابات ٢٠٢٠ ستكون غير مسبوقة من حيث المشاركة وهذا ما سيوسع دائرة الإصطكاك والاحتكاك المجتمعي المنقسم بحدة وشراسة وابرز مظاهره الاصطفافات العرقية والعنصرية والطبقية والدينية وكلها قنابل موقوتة قد تنفجر في اي لحظة مما يُنبئ بإفول هيبة امريكا وما سيتبعه من تداعيات خطيرة جداً على السلم الاهلي وحتى الدولي .
بعبارة اخرى فان فاتورة انتخاب الرئيس الامريكي القادم ستكون باهضة جداً على المستويين الداخلي والخارجي .
فمن جهة، فان كل المؤشرات الموضوعية والميدانية تُشير الى فوارق ضيئلة بين الغريمين لحسم المعركة وهذا بحد ذاته سيشحن الاجواء سلباً وسيُعقد المشهد الانتخابي ، ويفرز واقعاً يكرس التناقضات والكراهية والانقسام داخل المجتمع الامريكي مما سيضع الرئيس الجديد امام متاعب وشوشرة داخلية ستنال من شوكته خارجيا.
أما على الصعيد الخارجي فان إرث السنوات الاربع العِجاف من حكم ترامب المتفرعن ستترك ضِلالها على بايدن في حال فوزه حيث سيكون بحاجة الى وقت طويل لترميمها إن لم يكن عاجزاً عن ذلك لاعتبارات كثيرة .
ولا شك ان العالم بأسره (سوى البعض من الأراذل والتابعين) سيكون سعيدا برؤية ترامب خارج البيت الابيض ، فلا خاطر اوربا يروق لها مكوثه في الحكم ولا الغريمين اللدودين ( روسيا والصين ) بنسب متفاوتة ، ولا اسيا الصاعدة ولا امريكا الجنوبية المُستضعفة ولا حتى كندا ، أما ايران وحلف المقاومة فان لهم مع هذا المتغطرس حساب عسير .
فلغة المكابرة والاستعلاء والتمرّد والتهديد والابتزاز والاستحلاب التي مارسها ترامب مع الحكومات والشعوب والمنظمات الدولية والقرارات والمعاهدات المبرمة ، جعلتة الاكثر منبوذاً في خانة الرؤوساء الاميركان على الاطلاق ، فلهذا فان سقوطه سيفتح ابواباً جديدة امام العالم للتعاطي البناء والهاديء بعيداً عن لغة العنجهية الترامبية وسيساعد في ترميم ما خرّبه في النِظم والتفاهمات الدولية وسيكون ذلك درساً بليغاً للادارة الجديدة .
اما فوزه -الاقل حظا- حسب تقديرات الخبراء والمراقبين (حتى لحظة كتابة هذه السطور ) فانه سيُكرّس لعالم احادي يحلم به ترامب ، سيستدرج به الجميع الى منازلات اقتصادية وربما عسكرية وامنية او دفع فواتير التاجر الذي امتهن الابتزاز لتمرير اجنداته ؟!
وسيكون الوضع في الشرق الاوسط وغرب اسيا ( ايران والعراق) على وجه الخصوص الاكثر تضرراً لان حماوة الاحداث وتمرير المخططات الناعمة والخشنة سيكون على أشُدِّها وسنشهد لا قدّر الله عصراً تطبيعياً صهيونياً استسلامياً لا نظير له .
فكل الطرق تؤدي الى تل أبيب حسب رؤية ترامب ( الكوشنرية ) وعلى الجميع الانصياع بعد الاستحلاب والابتزاز .
وتبقى مشيئة الله القاهرة فوق ارادةز الطغاة ولا أظن ان مِصداقاً ابرز من ترامب في تَجبّرِه وإستعلائه وطغيانه ، قد تجلب لنا من الله تعالى ، ما يُزعزع حلم الشياطين اذا شاءت المشيئة الالهية ..
وعلى بايدن - كسلفه - تعلّم الدرس ؟!
فان ربك لبالمرصاد وجنوده رهن إشارته في كل زمان ومكان .
https://telegram.me/buratha