عمار محمد طيب العراقي||
أولا / نقترب من إستحقاق سياسي هو الأهم في تاريخ عراق ما بعد 2003، فهو أستحقاق جرى عمل واسع وكبير لإحداثه، إذ ان إجراء إنتخابات مبكرة بعد سلسة متصلة من التظاهرات والأحتجاجات، يعني نسفا لكل المعادلات السياسية التي كانت تحكم ما قبل تشرين 2019، وإذا قرأناه بشكل واقعي، فهو يعني خطوة اولى لإنشاء عقد إجتماعي جديد، يتبدل فيه أحد طرفي العقد القائم، وإحلال طرف جديد محله..
ثانيا / ثمة من يرسم صورة ليست واقعية، متعاطيا مع الديمقراطية بقفازات مخملية، مستسهلاً الى الأمور الى حد البلادة، متصورا انه مادام الطرف الأول الذي هو الشعب باق ويريد عقد إجتماعي جديد، فإن هذا حقه الدستوري، لا سيما ان العقد شرعة المتعاقدين، خصوصا بعد أن أخفق الطرف السياسي المتعاقد معه، في تحقيق ما يصبو اليه الشعب، وإن كانت كثير من عناصر الإخفاق، ليست لعيوب ذاتية في الطرف الثاني، بل لأن عوامل كثيرة محلية وقليمية ودولية، تظافرت جميعا، على أن لا تتيح له تقديم ما لديه الى طرف العقد الأول..
ثالثا / في المشهد أن عملية التغيير يعد لها في مطابخ عديدة، كثير منها خارج العراق، لكن المطابخ الأهم هي تلك الموجودة على الأرض العراقية..
رابعاً/ منذ 2003 تسللت الى المعترك السياسي اعداد كبيرة، من الطارئين على العمل السياسي، محولين إياه من مهمة وطنية نبيلة؛ الى وسيلة للعيش الرغيد والكسب اللامشروع، وهم يعملون بأقصى طاقاتهم للبقاء في المشهد السياسي، يعينهم في عملهم هذا أنهم أنشأوا شبكة من الأتباع، الذين يعتاشون على الفتات الذي يرمى لهم، ويعينهم في هذا ايضا إرادات خارجية ألُفت التعاطي معهم، وأحكمت قبضتها على رقابهم؛ بوسائل معقدة معظمها ليس نظيفا.
خامسا / أن مضي سنة كاملة من عمر التظاهرات والإحتجاجات، والتي كانت السبب الرئيس للإتجاه نحو التغيير، كشفت أن معظم أدوات تلك الإحاتجاجات لم تكن مقبولة شعبيا، نظرا للممارسات الخاطئة التي سلكها المحتجون..قتل وتحريق وتخريب وتعطيل للحياة العامة، وإيقاف للدراسة، وأعمال نهب ولصوصية، وممارسات لا أخلاقية، وإنتهاك للحرمات وهدم للقيم، وخمور ودعارة ومخدرات، ستجعل موقف الراغبين بالتغيير صعبا ومعقدا، لإنهم فشلوا في تقديم نماذج صالحة للمستقبل، لسان حال المواطن يقول: "إن جانت هاي مثل ذيج، خوش مرگه وخوش ديج"..كناية عن الشعور باليأس من إحداث تغيير إيجابي، على يد دعاة التغيير!
سادسا / أن هناك ميل لعدد لا يستهان به من الفاعلين السياسيين، لإن يحيلوا انفسهم الى التقاعد السياسي، مكتفين بما وصلوا اليه من منزلة، وبما تحت ايديهم من منافع وإمتيازات، لكن هؤلاء لن يغادروا الساحة، قبل أن يضمنوا وصول طرف جديد متصالح معهم، ويغض النظر عن مساوئهم، وعما تسببوا به من مشكلات للعراق والعراقيين.
سابعا / المرجعية الدينية التي كان لها موقفا سلبيا من معظم الطبقة السياسية المتصدية، بدلالة أنها غلقت أبوابها بوجوههم منذ زمن ليس بالقصير، وهو إجراء يحتاج الى ما يدعمه من تبريرات منطقية، يبدو أنها لا تصمد كثيرا أمام حقيقة دور المرجعية المفترض، بالحياة السياسية العراقية وهو دور مقر دستوريا، كانت داعمة للتغيير بقوة، كتعبير عن ضيقها بالطبقة السياسية، وهي كانت وما تزال ممسكة ببعض الملفات بقوة، لكن لا يبدو انها هيأت بدائل سياسية تطمئن لها، وكما هو مستخلص من متبنياتها المعروفة، تبقى تعمل على العموميات دون أن تنشغل بالتفاصيل، مع إبقاء هامش للتدخل في الحالات المصيرية، كما فعلتها في فتوى الجهاد الكفائي، عندما تعرض الوجود العراقي؛ الى إحتمال الفناء على يد الدواعش الأشرار.
لا يُعلم هل ان تقييم المرجعية الدينية للحالة الراهنة؛ هل انه في مستوى تهديد الوجود، أم أنه ما يزال تحت السيطرة؟!
ثامنا/ مثلما تسلل آلاف الطارئون الى العمل السياسي بُعَيد تغيير نيسان 2003، فإن هنالك فرصة أكبر لتسلل طارئين كٌثر جدد، ليتصدروا المشهد الجديد، وسوف تكر سبحة الإخفاق والفشل والفساد في العراق، ولكن بوجوه جديدة، وسنسمع من يردد؛ ليتنا ابقينا على الذين عرفناهم، وأن حرامي شبعان افضل من حرامي جوعان!
تاسعا / ليس هنالك ضمانات لإن يمضي التغيير بسلاسة، فالعراقيون ليسوا ديمقراطيين بالسليقة، ومشهور عنهم تمسكهم بذاتياتهم ولو على الخطأ، وكل منهم يعتقد أنه الأفضل والأصح، وليس من المتوقع أن يستسلم من يؤمن أنه صالح، بل ان ثمة من يرى أن إضطرابات غير منضبطة ستحدث، وستكون لها إرتدادات عنفية لا يعرف مداها، وهي ربما تحدث حتى قبل الإنتخابات المبكرة، وسترافقها وستتسع بعد إعلان نتائجها.
عاشرا / عناصر المشهد ركام من الغيوم الحالكة، خصوصا بعد أن دخلت الحكومة الحالية على خط الفعل السياسي، مغيرة وظيفتها من الإعداد للإنتخابات وتجاوز المشكل المالي، ومواجهة المحنة الصحية، الى أن تطرح نفسها بديلا سياسيا مستقبليا عن ما هو قائم..!
شكرا
22/10/2020