قاسم العجرش qasim_200@yahoo.com||
في أواسط تموز الماضي كتبت مقالا، كان عنوانه "حديث عن الكلاب الإعلامية السائبة..!" وتم نشره وإعادة نشره على نطاق واسع..تناولت في هذا المقال؛ الإنفلات العجيب واللامعهود الذي يعانيه واقعنا الإعلامي، حيث السلوك العواهني، لكتاب وصحفيين ومعدي ومقدمي برامج تلفزيونية، لا يلتزمون بالحد الأدنى من أخلاقيات المهنة، وحيث ترك الحبل على الغارب، سواء على الورق أو في الصحافة الأليكترونية، او في المقابلات التلفزيونية والإذاعية، حيث تنفلت الحروف والكلمات، تخرج كأنما فتحت أغطية بالوعات المياه الثقيلة..
المصاديق لهذا الواقع الإعلامي المزري، أكثر من أن تعد وتحصى، وفي ذلك المقال طالبنا ان تكون هنالك وقفة مسؤولة من السلطات، والسلطات التي نعنيها هي مجلس النواب، ومجلس القصاء الأعلى، والأدعاء العام، ونقابة الصحفيين، التي يتعين عليها إعداد مدونة سلوك إعلامي، تدعم بتشريع نيابي ملزم، وعلى جميع العاملين في الوسط الصحفي والإعلامي، أن يلتزموا بها، سواء كانوا منتمين للنقابة ام غير منتمين، لأن الوضع بات خطير وخطير جدا، وهو يهدد اليوم الأمن المجتمعي..
ثمة موضوع يرتبط بهذا الأمر بشكل وثيق، وهو التنمر الإعلامي..
الحقيقة هي أنه ليس في صفحات الرأي؛ والمقالات التي ينشرها الكتاب والإعلاميين، أقوال يمكن وصفها بأنها صحيحة أو خاطئة بشكل قاطع، بيد أنها يمكن ان تكون وجهات نظر قوية، بمعنى أن من حق الكاتب أن يقول رأيه، الذي يحتمل الصواب والخطأ، ويدافع عنه دون إقسار الآخرين على إعتناق ما يكتب او يقول، وبالمقابل أن لا يتعرض الكاتب إلى القمع والتنمر، لأنه خالف رأيًا آخرَ، أو أغضب فئة تخالفه الرأي.
في وسطنا الإعلامي؛ يتزايد أعداد مَن يؤمنون بالنظرية التي تقول: “إن لم تكن معي فأنت ضدي”، ولا يكتفي هؤلاء بأحادية الرأي، بل ويحشدون أنصارهم في خندقهم؛ لشن هجوم مكثف على صاحب الرأي المخالف ليكون عبرة لغيره، فلا يجرؤ أحد على مخالفتهم الرأي، وهنا تنشأ حالة أخطر، حيث يتردد الكثيرون عن إبداء الرأي المخالف، فنحرم من تنوع الآراء خوفًا من التنمُّر الإعلامي.
المتنمِّرون يعتقدون أنهم ينتصرون؛ حين يتمكّنون من خنق الرأي الآخر وتخويف صاحبه، لكنهم في الواقع يحرمون الوسط الإعلامي من ظاهرة صحية، تتمثل في تعدُّد الآراء والأفكار، التي تؤدي إلى التطور والنمو الإيجابي، فحين يخشى صاحب الرأي السديد إبداء رأيه، لأن هناك حملةً سيشنها المتنمرون عليه، لن يسمع صانع القرار ذلك الرأي، ولن يتم الإثراء الذي ينتج عن الحوار الموضوعي الهادف، الذي يقبل جميع الآراء، ويسمح للآخرين بالمشاركة دون إتهام وتخويف أو تخوين، أو غيرها من وسائل القمع، التي يحرم الإعلام من أهم مقوماته.
تزداد غرائب الحالة العدائية السافرة في الإعلام العراقي، ويتعاظم اعتماده على التنمر، الذي يتم تحت شعارات زائفة، تستند إلى حرية الإعلام، لكن المتابع الفطن يلاحظ بسهولة؛ ما يتعرض له بعض الكتاب؛ حينما يدلون برأي مخالف لما يناسب ذائقة بعضهم الآخر، حيث يشرع هذا "الآخر"، بالسعار والتنمر الذي أصبح سلوكاً يومياً مكشوفاً وموثقاً.
ثمة قوى سياسية قامت بتحويل إعلامها وقنواتها وجيوشها الأليكترونية، إلى أدوات للتنمر واستهداف واستعداء أطراف وتيارات ومنظمات منافسة، وعندما نتأمل في حملات التشويه الإعلامي التي تقوم بها تلك القوى، من خلال إسغلالها البشع للإحاجاجات والتظاهرات التي يشهدها العراق، نجد أنها أصبحت عملاً منظماً ونهجاً عدائياً مدروساً، يهدف إلى إثارة الفوضى وتخريب السلم الاجتماعي، وبث سموم الحقد والكراهية والتحريض المقيت، وتقديم خدمة إعلامية موازية لذيول التطرف والإرهاب.
كلام قبل السلام: كان متعينا أن يعمل التشرينيين؛ على حشد التأييد لمطالبهم بعرضها عرضا مقنعا يستجلب التأييد، لكنهم وبتأثير القوى التي اشرنا اليها، والتي تسللت بينهم، سلكوا مسلكا مغايرا تماما؛ وهو العمل تسقيط جميع القوى السياسية العراقية، ونزع شرعية حقها الدستوري بالممارسة السياسية بسبب وبدونه، فكانت النتيجة ان حصدوا كراهية لم يكونوا بحاجة اليها..!
سلام..
https://telegram.me/buratha