قاسم العجرش qasim_200@yahoo.com ||
في الليلة الفائتة كنت اختنق تحت وطأة "الجيثوم"، وهو حالة نادرة تأتي اثناء النوم، يصاب بها كثير من الذين يفكرون بأشياء كثيرة، هو اشبه بالشلل التام مع أن الفرد مستيقظ، ولكنه لا يستطيع أن يتحرك أو ان يفعل شيئا.
كنت ما ازال في حالة"الجيثوم"، جلست في سريري، أمسكت رأسي بين يدي، ضغطت قليلا على صدغيَ، مستعرضا ما يجري في العراق هذه ألأيام، يقف إزائه العقل الإعتيادي المنشغل بإهتماماته اليومية، عاجزا عن التفسير والفهم، بل وحتى الإدراك الأولي.
عجز إزاء الأحداث يشبه العجر إزاء "الجيثوم"، لأنها ليست واضحة المقاصد والأهداف، وهو أمر لا يعيه أغلب المنخرطين فيها، لأنهم يعرفون أن هذه الأهداف أكبر منهم، ومع ذلك تراهم قد أنخرطوا فيها!
ما زلت مطرقا والصداع يلتهمني، لكني توصلت الى أن العراق؛ يمر الآن بأحلك ظرف مر فيه منذ قرن تقريبا.
كانت صور الإحتجاجات المتحركة بسرعة أمامي كفلم هوليوودي، تدفع للتسائل عن من حرك حركة الإحتجاجات، ومن يقودها ويمولها، بصرف النظر عن نظرية المؤامرة التي لم يكن بالإمكان تنفيذها بمهارة، دون أن تكون هناك أرضية صالحة وأسبابا منطقية، تجعل الحديث عن المؤامرة إهانة للشعب والعقل.
ثمة من يصيح برأسي أن التظاهرات؛ بسلوكياتها التي لا تشبه تظاهرات الآدميين في أمكنة أخرى غير بلاد ما بين النهرين، لا يمكن النظر إليها إلا بوصفها احتجاج من نمط جديد، يكشف عن عمق الهوة والتناقض الحاد، بين سقوف التظاهرات وبين رؤية الطبقة السياسية، التي كانت تعتقد أنها توسدت ريش السلطة الى الأبد، وأنها معبدة فيها الى يوم يبعثون.
الطبقة السياسية المرغمة على الإعتراف بضرورة الإصلاح، تطرح مفهوما للإصلاح مختلف تماما عن ما يراه المحتجين، فهي تعتقد أن الإصلاحات تعني الخدمات، من سكن وفرص عمل وضمان وغيرها، فيما المتظاهرين يتحدثون عن مطالب الخدمات كمقدمة للمطالبة تغيير بنية النظام، ثم الشروع بالإصلاحات.
التظاهرات تطالب بتعديل الدستور، وتغيير قانون الانتخابات، أو الانتقال من البرلماني إلى الرئاسي، وسبب في ذلك أزمة الثقة الطاحنة، بين الطبقة السياسية والمجتمع، فيما لم تفكر الطبقة السياسية بذلك، على الرغم من تنبيه المرجعية الدينية الى ذلك منذ عام 2012 ولغاية اليوم، والسبب في عدم إلتفات القوى السياسية الى التحذيرات؛ هو عماها السياسي وفقدانها البصيرة.
الحقيقة اننا نحتاج إلى فصل بين حركة الإحتجاجات ومنظورها للإصلاح، وبين رؤية الطبقة السياسية، انطلاقا من ذلك نبدأ بإجراءات لتعزيز الثقة وردم الفجوة بين الشارع والسلطة عبر إجراءات عملية:
أهمها ان تنزل المرجعية الدينية الى الميدان، وتقدم رؤية واضحة لما يجب أن تقوم به الدولة، وما يتعين على المحتجين سلوكه.
ثانيا: تهدئة الشارع، وحث وسائل الإعلام على التهدئة وعدم تضخيم الأمور، بحجة حرية الرأى والتعبير التي هي محترمة بالتأكيد، لكن طريقة وأسلوب النقل، ينبغي أن تكون مسؤولة أكثر وبدون إثارة، لأن وسائل الإعلام ومواقع التواصل؛ هي التي تقود الشارع الآن.
ثالثا :دعوة كل من يتبنى مطالب المتظاهرين، خصوصا السياسيين والناشطين والإعلاميين، بوصفها حقوقا مشروعة غير قابلة للتصرف، مع نزوعهم الدائم إدانة الحكومة والطبقة السياسية بشكل كامل، أن يلتزموا الهدوء لفترة من أجل المصلحة العامة، وفي مقدمتها مصلحة المتظاهرين، لأن الاستمرار بهذا التصعيد، دون ظهور قيادة واضحة للتظاهرات، يعني أما الذهاب إلى الفوضى بالكامل، أو نهاية التظاهرات بطريقة أو أخرى، أو ركوب موجتها وخطفها وهو ما يعني خسارة للجميع.
كي اذهب الى الصباح، إستيقظت من "الجيثوم" تماما، وضغطت قليلا على صدغي مرة أخرى، وتذكرت حديث للإمام الخامنائي؛ ألفت فيه بصيرة المعنيين الى أن "للنّاس مطالب وهي محقّة، لكن عليهم أن يعلموا أنّ مطالبهم إنّما تتحقّق حصرا ضمن الأطر والهيكليّات القانونيّة لبلدهم، ومتى ما انهارت الهيكليّة القانونيّة يستحيل القيام بأيّ عمل".
كلام قبل السلام: فجأة تذكرت بيت شعر للشاعر العراقي معروف الرصافي يقول فيه:
لا يخدعنك هتاف القوم في الوطن فالقوم في السر غير القوم في العلن
سلام..
https://telegram.me/buratha