محمد وناس||
في منتصف التسعينات من القرن المنصرم , والعراق يعيش تحت اجواء الحصار الاقتصادي الدولي المجحف وظلم واضطهاد البعث الصدامي المجرم . اشيع ان بابا الفاتيكان يوحنا بولس الثاني (الميت يقولون عنه الله يرحمه ) . قرر ان يقوم برحلة حج على مسير الحج الابراهيمي ومنطقا من مدينه اور ( الناصرية ) متتبعا خطى الخليل ابراهيم عليه السلام حتى الاراضي المقدسة في القدس ( اورشليم ) .
ولا اعلم ما السبب الذي منعه من الانطلاق من الناصرية واستبدله بالانطلاق من سوريا .
ثقافة الحج او المسير نحو قبله معينة تمثل رمزية فكريه او عقائدية من اهم الممارسات التي دائب الانسان منذ وجوده الاول على ممارستها وبقوة .
فلا تكاد تخلو ثقافة على الارض قديما او حديثا منها . فهذه البوذية والتي تعتبر ثالث ديانة على الارض من حيث تعداد اتباعها . لديها اربع مناسبات في اربع مواقع تحج اليها ...
- حدائق لومبيني (النيبال ) . مسقط راس بوذا . رحلة الحج هذه بدأت سنة 249 للميلاد واول من قام بها الامبراطور الهندي اشوكا .
- بود جايا . التنوير الاول . او المكان الذي اوحي به لبوذا اول الامر في النيبال ايضا
- سارنات . (الهند ) التعليم الاول . اول مكان اعطى فيه بوذا درس او محاضرة او علم اتباعه فيه
- لوسينارا ( الهند ) مرقد بوذا .
ما يميز مسيرات الحج البوذي انها رحلة على الاقدام فقط تتخللها اناشيد بلا موسيقى . وكثير من التأملات الروحية والجلسات التفكرية يقطع البوذيون فيها مسافات طويلة جدا . قد تبداء من وسط صحراء التبت وتنتهي بالهند او النيبال . حيث الهدف المقصود .
.. في الهندوسية ايضا توجد رحلة حج نحو نهر الكنجا . هذا النهر المقدس لدى الهندوس والابراهمية يتوجهون في ( مهرجان الكومب ميلا ) الى مدينة الله اباد مره كل ثلاث سنوات . وفي المرة الثانية عشر يكون التجمع الاكبر وقد حصل اخر مرة سنه 2011 وحظر فيه ما يزيد عن 40 مليون شخص . وتتركز طقوس هذا المهرجان على القدوم مشيا على الاقدام والسباحة في هذا النهر .
في اليهودية ..
ثلاث مواسم للحج . البيساج ... الشافات .... السكولت .. موزعة على السنة . ويكون الحج فيها موجها نحو جدار المبكى ( حائط البراق ) الذي يعتقدون انه من بقايا معبد الملك سليمان .. ايضا هنالك رجلة حج يهودية اخرى نحو معبد الغربية في جزيرة جربا في تونس مرة كل عام يجتمع اكثر من 3000 يهودي في هذا المعبد الذي يعتقد انه المعبد اليهودي الاول في افريقا
وفي المسيحية .
مع ان المسيحية لا تهتم كثيرا في نصوصها الشرعية (حسب وصايا السيد المسيح في الاناجيل الاربعة)برمزية المكان لكن نشاهد رحلات حج مسيحيى مهمة نحو الجليل ونحو الناصرة ( كنيسة المهد ) وحتى السير في طريق الاحزان نحو الجلجة وتل صهيون وبين ازقة مدينه القدس القديمة حيث مكان صليب السيد المسيح على الاقدام وهم يضعون الاشواك على رؤوسهم ويحملون صلبانهم كنايه ومحاكاة لحادثة قتل السيد المسيح . ماهي الى رحلات حج واضحة .
اضافه الى الكثير من رحلات الحج التي تقوم بها بعض طوائف المسيحية مثل مسيرة الاورانج في ايرلندا والتي يقوم بها البروتسنات في احياء الكاثوليك وعلى الاقدام .
ونحن كمتابعين لهذه الممارسات ننظر لها بعين الاعجاب مرة وبعين الاستهجان مرة اخرى لما تحمله من بعض الممارسات الغريبة عن طبيعة مجتمعاتنا لكن في النهاية نعتبرها من ثقافات تلك الشعوب ومن حقوقها في التعبير عن ذاتها ونتعامل معها بشكل طبيعي وقد نتعاطى او نتفاعل معها ولا ننكرها مطلقا .
وحين ما يتعلق الموضوع بزيارة الاربعين ومسير حجاج الشيعة نحو قبلتهم كربلاء . مع ان مسيرة الاربعين تحمل في ثناياها من الممارسات الانسانية العظيمة تجد سيل الانتقادات لهذه المسيرة ولمن يقومون بها .
في هذه المسيرة يتساوى العالم والبسيط والغني والفقير من كل الطبقيات تسير بنفس الخشوع والروحية وعلى الاقدام . في جو عالي من الايثار والعطاء .
في الاربعين يجتمع البشر من كل ارجاء العالم . اثناء مسيرك ومن خلال الطرق الثلاثه الرئيسة المؤدية الى كربلاء ( بغداد .. حلة .. نجف ) تشاهد مختلف اعلام الدول ومختلف اشكال البشر وقومياتهم يتحدثون بروح واحدة ولغات شتى
تستحق منا زيارة الاربعين اهتمام اكبر ونحن كعراقيين حري بنا ان نعمل بكل قدراتنا على توسيع هذه المسيرة وتنظيمها بشكل اكبر وإيصالها للعالم بأجمل صورة . لأنها وبكل بساطة بواب عظيمة لإظهار الوجه الحقيق للعراق . ووسيلة نشر ثقافتنا بين الامم . كما نحتاج الى اعادة تصحيح لنظرتنا نحو هذه المسيرة العملاقة . فلا يقتصر تعاملنا معها على انها ممارسة عقائدية فقط وعلينا ان نجعل منها ممارسة فكرية وثقافية وفرصه لتبادل التجارب والثقافات من باقي شعوب الارض .
نهيئ كل الاسباب لتحويلها الى مهرجان عملاق لنشر السلام والمحبة والتواصل الحقيقي بين البشر .
زيارة الاربعين اجمل هدية قدمها لنا الامام الحسين عليه السلام فعلينا ان نستفيد منها الى اقصى الحدود .