واحد من أقدم الإتهامات لسياسيي مابعد العام2003م، أنهم جاؤوا على ظهر الدبابة؛ إتهاماً لهم بالدخول مع القوات الأمريكية، أو أنهم جاؤوا بإرادة أمريكية وعلى ظهور دباباتها. دخلت القوات الأمريكية إلى العراق بمسميات مختلفة و ذرائع شتى؛ كقوات غزو أو لإسقاط نظام مارق أو لتحرير العراق ،واستقر على تسمية الإحتلال بقرار أممي. لم تدخل القوات لوحدها، ولم يدخل السياسيون الجدد بعد العام2003م فحسب إلى العراق، بل رافقتها حملات إعلامية وحرب نفسية سابقة ولاحقة، ومنها أن العراقيين سيحصلون على أربعين مادة غذائية، بعد حصار سنوات، حتى أن النظام آنذاك ذات مرة، أخرج مظاهرات لرفض التدخل الأمريكي ويهتفون: ( منريد جبن الكيري.. أنريد خبز شعيري)، فألقت عليهم الطائرات الأمريكية صناديق المعلبات، فتركوا اللافتات والشعارات وتسابقوا على الصناديق، وحلموا أن الإحتلال سيجعل العراق في مصاف الدول المتقدمة ومدارس ومستشفيات متطورة، وشوارع معبدة ومتنزهات وناطحات سحاب، وإلى اليوم بعضهم يظن أن كل هذا سيحققه الإحتلال. الإستعمار والإحتلال وتحرير الشعوب؛ شعارات إستخدمتها الدول الغازية، لتغيير أنظمة وطبيعة حياة سياسية وإجتماعية وثقافية، وتعزز ذلك بالإنتقاص من عادات الشعوب وتقاليدهم ومعتقداتها، لتبرير الإحتلال، بإشارة إلى أن تلك الممارسات هي سبب التخلف، وطالما أثّر الإعلام والحرب النفسية، وأصبح الشعب يعطي لكل ممارسة بمعيار خارجي، ويضرب أمثلة التقدم بإحترام القوانين هناك، بينما يسيء لها هنا، وبما أن معظم السياسيون جاؤوا من الخارج، فالشعب أنتظر نقلهم لتجارب تلك الدول. الدبابة والأسلحة المتطورة وعالم وعالم الفضاء، صارت تقليدية أمام تقنيات الإعلام والحرب النفسية، التي تمهد الطرق لجعلها تمر بطرق منبسطة، ولم تعد الدبابة فحسب وسيلة للتنقل في إحتلال الشعوب، وبدل الدبابة، أصبحت هناك جيوش إلكترونية تسمى “الذباب الإلكتروني“، ويبدو أن التسمية متشابهة في التأثير، لكراهية الذبابة. ما تنقل من أمراض إنتقالية خطيرة ربما تسبب وباءً، وصارت الذبابة تقهر الدبابة، والأوبئة تشل الحركة السياسية والإقتصادية والعسكرية في العالم. زالت في الآونة الأخيرة إتهامات بعض السياسيين بأنهم جاؤوا بالدبابة، وصارت أمنية بعضهم أن يقاتل شعبه ولو من فوق ظهر تلك الدبابة نفسها، ونفس من أتهموا بالدبابة، صاروا بعد التجربة انهم أعداؤها وفق مواقع إلكترونية مجهولة المصدر والتوجه، وحسابات وهمية، تنطلق في ساعات محددة للترويج عن أهداف معظمها غير مشروعة. لم يعد دوراً مهماً في إتخاذ قرارات الدولة أولئك الذين يتهمون بأنهم جاؤوا على ظهر الدبابة، ولا من قاتل في الصيف والشتاء متحملاً الحرارة القاسية والبرد القارص ضد عصابات داعش، بل الدور لمن يتحدثون بلسان ذبابهم الإلكتروني أو يوعزون له بالحديث عنهم نيابةً، وما أكثر السياسيون الذين وصلوا إلى السلطة وهم يمتطون الذباب الإلكتروني، وما أسوأ السلطة عندما تتخذ قرارات توجه من حسابات وهمية، التي بدأت تتحرك على مفاهيم وقيم وعادات الشعب ومقدساته، ويبدو أن الشعوب المحتلة يقودها الذباب الإلكتروني، وسيكون أكثر خطراً عليه من الدبابات، وستوّرث له عاهات مستديمة، لا يمكن التخلص منها إلاّ بالتخلص من الذباب.
اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
https://telegram.me/buratha