قاسم العجرش qasim_200@yahoo.com
تسمع من هذا المواطن أو ذاك عبارة "نحن عراقيين ما تصير لنا ﭼارة" وال {ﭼارة} كلمة تركية تعني الحل..وهي عبارة خنوعية تستدعي الأستبداد، كما تسمع من كثيرين أيضا أن الأمن كان أكثر إستقرارا قبل 2003 عنه الآن بكثير، وتسمعها أيضا من مثقفين، بل أن كتابا وصحفيين يتداولونها في كتاباتهم.
الحق أن الإرث الثقيل الذي نتحمله هو: أن الحرية التي تنبثق عنها المسؤولية، لم تكـن يومـاً عــنصراً حاضراً في ثقافتناـ بل كانت ولا تزال العصا الـغـلـيظة بكل أشكالها هي الحاضرة.
لو كانت الحرية منذ البداية تشكل العنصر المركزي في تربيتنا، سواء في البيت أم في الشارع أم في المدرسة، ما تخوف بعضنا اليوم من غياب الإســتـبـداد؛ الذي لا نرى في غيره الأمـن والأمـان و به نحتمي.
في ثقافتنا ومخيالنا الشعبي، حيث تقديس الحاكم وسلطته، وحيث أن السلطة إلها مطلقا، لا شيء يقيده أو يحد من سلطاته، وحيث لا ينبغي أن تكون هذه السلطة موضع اعتراض؛ تم ربط الأمـن بالإستبداد؛ حيث لا يمكن فصل الواحد عن الآخــر.
اليوم يكشف ما يحدث في محافظة ذي قار، من هجوم ليس له تبرير على عشيرة العساكرة الخاقانية الكريمة، أننا في طريقنا لصناعة إستبداد جديد، وأننا أزاء تخطيط عميق خبيث، يضعنا اليوم أمام خـيارين لا ثالث لهما: إما الإستبداد وإما إن يـذيــق بعضـنا بـأس بعض.
تجربة العراقيين السابقة مع الإستبداد الصدامي البغيض، أثبتت أن المستبد إضافة الى إستخدامه العصا الغليضة في قمع الشعب حينما يقوا "إحم"، فإن من طبائع الإستبداد أنه يفتعل الحروب الأهلية، والنزاعات العشائرية والنعرات الطائــفـيـة، يـغـذيـهــا ويوظفها عند الحاجة؛ ليظل الشعب باستمرار في حاجة إلى عـصا المستبد، حيث لا يستقر الأمن إلا في ظلاله.
بالمقابل فإن المستــبَــد به، يتحول الى إنسان خانع خاضع، لا يصلح لشيء لخموله وكسله، يـنـتـظـر الأوامر الفوقــية؛ دون أن يأخذ المبادرة لـيـبـدع، فهو لا يصلح للحرية ولا تصلح له، وإذا ما وجد فجوة من الحرية أساء استعمالها، ما يعطي المبرر الكافي للمستبد أن يمارس شهوة الإستبداد، في ظل قانون يفصله على المقاس..ولا معنى بعدها لصب اللّوم على الحاكم المستبدّ، لأنه مجرّد نِتاج لبنية اجتماعيّة تُعيد إنتاج التّسلّط والاستبداد، ولولا الأخير لَمَا كان الأوَّل!
المستبد لا يمكنه الإستمرار بإستبداده إلا عند توفر شرطين، شعب خانع ذليل يجد في الإستبداد حلا لمشكلاته، والثاني أن يضع يده بيد قوة عظمى يتكيء عليها، وتوفر له مقبولية في المجتمع الدولي، الذي عليه أن يقتنع أن الشهب الذي يحكمه المستبد، ليس مؤهلا بعد لدولة ديمقراطية رشيدة.
فتنة تشرين ورعاعها الذين جاءوا من قاع المدينة، وبشخوصها النتنة ومنهجهم التدميري، ولأنهم أتباع مخلصين لسفارة الشر الأمركي، سيقودون البلاد الى أن تقبل بمستبد على المقاس الأمريكي، لكن الرعاع الذين يشكلون العصب الرئيس لفتنة تشرين،هم بالواقع أولئك الذين يقعون على هامش المدينة والمدنية، وأصولهم متعددة مدينية وقروية، ولهذا، فهم في حراكهم، شكلوا بنية من الانحطاط الثقافي والسلوكي والعمل المنبوذ، وكلما عاش المجتمع أزمات اقتصادية واستبداداً سلطوياً زاد من همجية هذه الفئات.
كلام قبل السلام: الرعاع فئات اجتماعية، تظهر في كل العصور والأزمان، بيد أنها لم تشكل في يوم من الأيام، فئة مهيمنة وعياً وسلوكاً.
سلام..
https://telegram.me/buratha