د.حيدر البرزنجي||
كسب يزيد زمنه وكسب الحسين كل الأزمنة
- الخطة الإستراتيجية – والتحرك التعبوي - الثورة العادلة والسلطة الزائلة
. - أي إصلاح لأية ثورة ؟ - السيادة التاريخية – والزعامة الدينية . - نظرية الحقّ – وواقع الحقيقية .
. بداية ،ماهي الثورة ؟؟ وهل هي مطلب بذاتها ؟ أم مجرد وسيلة للوصول إلى السلطة أو التغيير في وضع قائم ؟؟
الثورة بمختصر تعريفها هي : مقولة لهدف ووسيلة لتغيير ، تلك هي الثورة بكثافة مدلولها، ولم يتغير الأمر منذ ان وجدت البشرية نفسها في خضمّ الحياة ، فمن أين استمدت الثورات مقولاتها الكبرى ؟ أمن موروثها الأسطوري ومعتقداتها الدينية ؟ أم من واقعها الإجتماعي وتشكّلها السياسي ؟
معضلة السؤال في تعدد الإجابات: الظلم يقابله العدل ، ذلك محرّك الثورة ومطلبها الأساس . لكن . إذا اعتبرنا ان الثورة فعلاً مضاداً يأتي لتصحيح خلل في العلاقة بين الإنسان والإنسان ، فمن أين يستمدّ الفعل الأصلي مصدره؟ ؟ تلك هي المعادلة . وسواء كانت الثورة سلمية أم عنفية ، علمية أم سياسية ، وإذا نجحت أو فشلت ، جاءت بإيجاب أم بسلب ،فهي لابد أن تترك أثراً ، بصرف النظر عن شكل هذا الأثر ومقداره . فإن كانت سلمية أو عنفية ،فأنها ستواجه أحد احتمالين : أما أن تنجح في التغيير فتأتي بحاكم آخر قد يتحول إلى طاغية بدوره ، أو يزداد الحاكم القديم قمعاً ، فيدفع كذلك بعوامل جديدة لثورة قادمة ، أو قد تجعله يتنبه إلى الخلل في حكمه فيبادر إلى الإصلاح وإن شكلياً ، وهكذ ،فماذا عن ثورة الحسين عليه السلام ؟
ثورة الحسين – بين الجزئي السياسي ،والكلّي الديني
عبر قرون طويلة من قيام الثورة الحسينية ، مازال السؤال يراوح بين العقيدي الايماني ،والتاريخي المقدس ، ومعظمها يذهب الى ان الثورة بذاتها كانت محقّة ، ولولا خذلان الأمة – وأهل الكوفة بوجه خاص –لانتصرت وتنشرت العدل والاصلاح في أمة انحرفت عن دينها القويم .
لكن أليس للاحداث قراءة أخرى قد تصل الى نتيجة بأن ليس لهذاه الثورة ان تنجح عسكرياً وسط موازين القوى التي كانت قائمة .
لقد كرس الأمويون زعامتهم على مكّة عبر زمن طويل ،, واعتاد العرب رؤية الامويين في موقع السلطة ،وحينما ظهر الاسلام ،اجبروا مناصريه والنبي (ص) ذاته ،الى الخروج من مكة ،ورغم انتصار المسلمين في عدد من المعارك ، وانضمام وجوه بارزة من قريش الى الدعوة الجديدة ،الا ان مكانة أمية – وآل سفيان خصوصاً – لم تتأثر ،ما جعل النبي (ص) ان يأخذ ذلك بالاعتبار حين فتح مكة ، (من دخل دار ابي سفيان فهو آمن ) ما يعني اقراراً بزعامة الرجل وموقعه من قريش والعرب .
الزعامة والقوة والنفوذ والثروات الطائلة ، المتجذرة في أذهان الناس ،لابد ان تترك أثراً وتلعب دوراً في توجيه سير الاحداث ،لقد كان آل سفيان (امبراطورية)من المصالح المتشابكة الممتدة في بلاد العرب وبين قبائلها ،ولم يغير الاسلام من الأمر شيئاً ،بل زادهم نفوذاً وقوة بعد وفاة النبي ومجيء خلفاء هم أبناء بيئتهم ،يعرفون كيفية التعامل معها وفق معطياتها ،وهم قد شاركوا صاحب الرسالة دعوته وقرأوا مايمكن لهذه الرسالة أن تحققه ،ومن ثم امتلك كل منهم عدد من المشروعيات ،فالثلاثة (أبو بكر وعمر وعثمان) لكل منهم موقع ونفوذ في قريش ،ان لمالهم وتجارتهم (ابو بكر وعثمان)أو لذكائهم وموقعهم (عمر ابن الخطّاب) ولم يكن لهم منافسين على السلطة سوى أبي سفيان الذي ابتعد بدهاء ،محتفظاً بمكانه في زعامة مكّة .
لقد ادرك رجال قريش البارزين ،طبيعة المرحلة وموازين القوى ،فآثر كل منهم الاقرار بالوضع القائم ،فكوفئوا بعدها بقيادة جيوش المسلمين ،كسعد بن ابي وقاص وخالد بن الوليد وعمر بن العاص وسواهم .
كانت البراغاماتية السياسية هي السائدة ،وحسابات المصالح معياراً لما يتخذ من مواقف ،وامام كل الأحداث المتسارعة بعد وفاة الرسول وماتبعها ،أدرك الامام علي ابن ابي طالب(ع) ان موضوع الحاكمية أصبح شائكاً وعسيراً ،وان تصفية الحسابات قادم لامحالة .
قريش ذات الموقع بين القبائل ،لا بكونها قبيلة محاربة شديدة البطش كتغلب وذبيان وزبيد وسواها ،بل جاء تأثيرها وزعامتها اولاً من كونها قبيلة الكهنة والسدنة ،أي حارسة مكّة وراعية المقدسات التي يؤمن بها العرب قاطبة ،حتى أهل الكتاب منهم يعظموّن الكعبة باعتبارها إرث إبراهيم أبو الانبياء، كذلك بجّلت قريش بكونها قبيلة مدنية تسكن حاضرة مستقرة وتمارس تجارتها عبر البلدان البعيدة ، ،ما يعني أنها عقدت تحالفات ومدّت علاقات مصالحية مع الكثير من القبائل ،ولما كانت علاقات من هذا النوع ،تتطلب ديبلوماسية وقدرة على التعامل مع الآخرين وفق قاعدة براغماتية (منفعية) صرفة ، لذا كان من الطبيعية أن تشهد قريش عدد من الدهاة والمخططين الاستراتيجيين الذين يجيدون قراءة التوجهات ومسار الأحداث وان كان في المقابل وهو الخط المحمدي المتمثل بالأمام علي والأمام الحسن والأمام الحسين بجيدون وبقدرة عالية وبصيرة الهية قراءة الاحداث وبكل عمق لكن الفرق هو الاخلاق والالتزام الديني في السلوك السياسي ومشهور قول الأمام علي عليه السلام في خطبة له {و الله ما معاوية بأدهى مني، و لكنه يغدر و يفجر، و لو لا كراهية الغدر لكنت من أدهى الناس} ومن ثم التخطيط للتعاطي معها أو الاستفادة منها في اللحظة المناسبة .
ذلك هو المشهد العام الذي سيضطر الإمام علي لمواجهته في سبيل تكريس قيم انسانية ورسالة محمدية اساسها الخالق العظيم ، لم تجد زمناً كافياً كي تثمر ،وهو ماحاول الحسين عليه السلام استكماله ، بتغيير الكّلي التليد بواسطة الجزئي الوليد .
لكن وكما قيل في الإمام علي : ان كان معاوية قد كسب زمنه ،فعلي كسب كل الأزمنة ، كذلك الامام الحسين : ان كان يزيد قد كسب زمنه ، فالحسين كسب كل الأزمنة ، وفي وقت يكاد اسم يزيد ومعاوية يختفيان من الذكر ،فإن اسم علي والحسين لايكاد يخلو بيت من المسلمين في مشارق الارض ومغاربها ،من وجودهما ، وفي وقت لايعرف احد قبراً لمعاوية أو يزيد ،تتلألأ بالانوار مقامات علي والحسين (عليهم السلام) ، ويزورهما الملايين طوال العام دون انقطاع
https://telegram.me/buratha