واثق الجابري||
يلجأ كثيرون إلى تبرير الفشل أو تعطل عمل الدولة، الى وجود "الدولة العميقة"، في إشارة واضحة إلى تحكم قوة توازي الدولة أو تنافسها أو تتفوق عليها.
ينطلق المفهوم من وجود قوة لا توالي الدولة بعملها وربما تقاطعهما، وينصب عملها بشكل إنفرادي لعرقلة عمل الدولة، ويؤسس لمؤسسات أو يستخدمها لخدمة جهات بذاتها دون مراعاة ما ينجم من إنعكاسات سلبية على الدولة وشعبها، وتؤسس لمحميات طبيعتها حماية مصالح خاصة ويقصد بها فساد إداري لصالح تلك الجهات.
وَرَدُّ الإتهام أو تحديد الدولة العميقة على لسان معظم القوى السياسية والشعبية، وكأن الدولة بقوانيها وأفعالها تشبه الأمواج الصغيرة ولا تمثل العمق، وما هو ظاهر لا يمثل عمق الدولة أو نتائجها، وما يظهر لا يمثل حقيقة الدولة ،وفي العمق الحقيقي الواقعي للدولة، والظاهر إنعكاسات ردود أفعال أو تمويه لا يعبّر عن كل ما يحدث، وربما مخالف له.
في ظاهر العمل السياسي أمواج متلاطمة متصارعة، وحالات هيجان بإنفعالات ذاتية أو تأثيرات خارجية حكمتها عوامل عدة غايتها شخصية، لا تملك ثابتاً ،بل هي في حال تلون، وتخرج من أزمة للدخول في غيرها، تفوقها مساحةً وعمقاً.
يتضح أن لظاهر العملية السياسية والإدارية في الدولة سطحاً شديد الخلاف ،وكما يبدو فإن لهذا السطح إرتباطاتٍ وعمقاً تنطلق منها،، ومعظم الأطراف تشارك بشكل مباشر أو غيره بإيجاد حالات الاشتباك، إلاّ أنها تطلق تسمية الدولة العميقة وكأنها سببٌ لكل ما يحدث، تنصلاً منها من تلك المسؤولية، وترمي الاتهام على ماهو غير واضح، بينما تتحاشى ذكر الواضح الذي يقر بوجوده القاصي والداني، منتفعاً ومتضرراً.
أسست القوى السياسية وغيرها شبكات عميقة، في كل حال لا تنفصل عن ظاهرها، وما هو واضح لا يخطط له بالعلن، وكل يعلن رفضه لأفعال هو يمارسها أو يجيزها لنفسه، وبذلك التنصل عن أن ظاهر الفوضى السياسية والإدارية، لايرتبط بتخطيط عميق، هو تنصل من تحمل مسؤولية البحث عن حلول للمشكلات، سواء كان طرفاً فيها أو يعرف أين تكمن عقدة مشكلتها.
إن ظاهرة الخلافات السياسية الحقيقية والمفتعلة، أنتجت فوضى في الواقع العراقي، وبما أن ظاهرها مرتبط بعمقها، فإن في العراق فوضى عميقة، ولو أنها كانت دولة عميقة أو أن طرفاً واحداً متبنٍّ لتلك الدولة وبأن مشروعه للظاهر سواء كان سلباً أو ايجاباً، وبذلك لا قوة لوحدها تحكم الدولة العميقة، ولكل منهم أهدافه وأدواتها، ومن خلال صراع في العمق أنتجت فوضى الدولة، ولكن كما يبدو أنها فوضى عميقة ومن الصعب التكهن بأعماق بعضها، التي تُظهر الإصلاح في الإعلام، وتبطن أهدافاً لفوضى عميقة.
ــــ
https://telegram.me/buratha