د.حيدر البرزنجي||
مرور سنة على المشهد العراقي بأبعاده الثلاثة .
- قريباً من الحقل – بعيداً عن البيدر
- التظاهرات – من الانتشار، الى الانحسار
- قوة تحمل بذور ضعفها – وضعف يختزن عوامل قوته .
- الأحزاب والحركات الإسلامية - انتهاء أم ابتداء ؟
حتى أشهر خلت ، كان المشهد العراقي يشير الى ان الحملة الاعلامية والسياسية المكثفة ، التي شجعتها أو قادتها أمريكا وحلفائها وبصورة شرسة ، ضد مناوئيها في العراق ، قد أثمرت و انتجت ، فقد وسم المشهد ، تذّمر الكثير من العراقيين ، من الوضع السياسي القائم ، درجة بات سمة تؤشر بأصابع الاتهام الى ان ايران وحلفاءها ، هي المسؤولة عما يحصل.
فصائل الحشد الشعبي ،نالت القسط الأكبر من تلك الحملة ، وقد اختصرت الاشارة اليها ب(الأحزاب الفاسدة) لتصبح تلك المفردة ، بمثابة الاسم الحركي للحشد الشعبي ، في التفاف لايخلو من دهاء وبغضاء.
. كانت الحملة قد نسجت بعناية ، بحيث لا تترك مجالاً للشكّ بنجاحها ، بعد تعدد مستوياتها وفاعلية تأثيرها حيث تشارك مجاميع مختلفة وهي تشترك بالغاية والهدف ويكون فيها بعض الاعلاميين واساتذة وشخوص مارسوا السياسي واندثروا وقد خدمتهم الصدفة.
انطلاق التظاهرات في الأول من تشرين وماتلاها وتخللها ، مثّلت أحد أهم مظاهر النجاح ، فبدت وكأنها تتويجاً لتلك الحملات .
لقد تحولت ساحات التظاهر ، بُعداً ثالثا للمشهد العراقي ، ودخلت بقوة في الحسابات السياسية ، الى جانب البعدين الآخرين المتمثلين في التدخلات الاقليمية والدولية من جهة ، والقوى السياسية ببرلمانها وحكومتها من جهة أخرى ، وهي قوى تختلف وتتناقض في الكثير من الامور ، بل وفي مرحلة ما ، بدت التظاهرات ، انها البعد الأكثر حضوراً وتأثيراً ، درجة فرض نوع من الوصاية على البعد السياسي ، واُستخدم مصلح (الشعب ) بكثافة للاشارة الى التظاهرات والتأكيد على حب الوطن وهو حصري بهذه المجموعة ، فتسابق المحللون وضيوف الفضائيات ،للإشادة بها وتوقع انتصارها . .
. في غمرة النشوة بالانتصار القادم الذي بدا يقينياً، غابت النظرة الموضوعية لمسارات المشهد بكل تفاعلاته ،وتجاهلت العديد من العوامل ، التي يمكنها ان تؤثر في الأحداث .
وبأجمال تلك المرحلة بعواملها الأولية ، يمكن استخراج الملاحظات التالية :
١- كان المتوقع ان تشمل التظاهرات ،أعداداً أكبر ، تضم المتذمرين والناقمين من العملية السياسية برمتها، بعد كل هذا الجهد المبذول في تهيئة المسرح للتغيير المقبل، لكن الحسابات لم تتطابق .
.في تجارب الشعوب ، ان مطالب التغيير حينما تتحول الى قناعات عامة تشارك فيها الاكثرية ممن لهم مصلحة في التغيير ، فأن الحفاظ على سلميتها سيكون ضرورياً لحمايتها وزيادة قدرتها، لكن ما لوحظ غياب عاملين مهمين في نجاح أيما تظاهرات : قيادة رمزية ، أو كثرة عددية ، وهو ما افتقدته التظاهرات ،فأعداد المتظاهرين بقيت دون المتوقع، ومع القمع الذي ووجهت بها ومنذ اليوم الاول لانطلاقتها ، رُسمت ملامح المرحلة المقبلة، في ان التغيير المنشود ، لن يكون في المتناول .
. ذلك ما وضع المتظاهرين في موقف صعب ، فالجهات التي اعلنت دعمها لتلك التظاهرات ، شكلت عوامل ضعفها في الوقت عينه ، فلم تكن مما تحمل عوامل اطمئنان ، اذ اختلط فيها طيف واسع من قوى مختلفة دولية واقليمية ومحلية ، ولكلّ مشاريعه الخاصّة ، ما جعل النجاحات الاولى التي حققتها التظاهرات ومنها استقالة الحكومة ، تتراجع تدريجياً .
لقد رفعتْ التظاهرات سلسلة طويلة من المطالب المتناقضة، لاختلاف القوى المشاركة ، وكان أكثرها اثارة للتساؤل :إسقاط العملية السياسية برمّتها ،والعودة الى ما قبل ٢٠٠٣ مع حملة من الخطاب المتشنج الذي كاد يخلو من قراءة موضوعية للمشهد العراقي بتداخلاته ومستوياته .
ذلك المطلب الذي افرزته النشوة الاولى وان لم يكن طاغياً ورئيساً ، لكنه مثل نقطة التحوّل المعاكسة ، فالعودة الى ما قبل ٢٠٠٣ تعني ضمنياً وفعليا عودة البلاد الى الدكتاتورية ، ما أثار مخاوف الكثير من العراقين و جعل تأييدهم يتراجع .
كما ان سلسلة التجاوزات التي طالت مصالح عامة وخاصة للناس ، كقطع الطرق واغلاق المدارس والحرائق وسواها، اظهر المأزق التدريجي الذي دخلته التظاهرات وجعلها بموقف العاجز أو المتواطئ ضمناً لاظهار القدرة والتحكم في الشارع ، وفي تلك الحالتين سُجلتْ على المتظاهرين ، اما ظهور قوى سياسية من نواب ورؤساء – كمحمد الحلبوسي - وسط التظاهرات ،فقد مثل ذروة الكوميديا في مشهد تراجيدي .
لقد تحولت السلوكيات التي رافقت التظاهرات ، الى حالة أذى عامة لحقت بالحاضنة الاجتماعية ذاتها ، ما جعلها تبدأ بالتذمر ثم اعلان رفضها لتلك الممارسات - بما فيها المرجعية -
إن أخطر ما تمر به أية قوى او جهة ما ، هو الشعور بالانتصار المسبق ، فالقوة الظاهرة ، تحوي ضعفاً كامناً. وبأمكان الخصم أو العدو ، امتصاص تلك القوة ثم بعثرتها وجعل الخصم يرتكب الاخطاء ، وهذا ما فعلته السلطات الحاكمة ، فقد افسحت المجال لتلك التجاوزات- أو عجزت عن منعها - لتتحول الى ظاهرة جعلت عموم الناس وجها لوجه أمام حقيقة ما يواجهونه ، خاصة ان هناك قوى سياسية شاركت في التظاهرات مع وجودها في المؤسسات السياسية ، ماأظهر الأمر بمثابة صراع على السلطة وليس مطلبا للتغير وبالتالي السعي نحو غلبة فئة على اخرى ، ماجعل السؤال نحو متطلبات التغيير وأهدافه ، ينتابه الكثير من الشكوك.
في حكاية السمكات الثلاث ، إن أحداهن ،تركت البركة منذ أن رأت الصياد قادم ،فيما انتظرت الأخرى بين مصدقة ومكّذبة ، الا انها انسحبت قبل أن يكمل الصياد غلق منافذ البركة ،أما الثالثة ،فبقيت تدور حول نفسها الى ان كتبت نهايتها ، ذلك ماشهدته التظاهرات ،انسحب بعض المشاركين منذ الأسابيع الأولى، فيما انسحب الآخر قبل ان ينغلق الأفق ،فيما بقي الثالث يدور حول نفسه ، معتقداً ان البركة مازالت صالحة للسباحة .
المقال القادم :
- كيف تصرف كل طرف ؟؟ والى ماذا آلت النتائج ؟ وماهي حسابات الربح والخسارة عند الطرفين ؟
- ثقافة جديدة ؟ أم انقسامات أخرى؟
https://telegram.me/buratha