واثق الجابري||
يكاد مشهد وجود تجمعات أمام هذه الوزارة أو تلك المؤسسة أو حتى أبواب المنطقة الخضراء، حيث مركز السلطة الإتحادية وبقية السلطات، أشبه بالحالة الطبيعية التي أفرزها الواقع السياسي، وهنا لافتات وهناك خيم ومشهد قطع شوارع، وآخر تصادم مع القوات الأمنية.
تنطلق التظاهرات وفق مبدأ دستوري بحرية التعبير، والإعتراض على العمل السياسي والخدمات والمطالبة بحقوق فردية وجماعية وحقوق شرائح.
تختلف التجمعات والاحتجاجات من حيث الشرائح والمطالب، ولا تخلو من حاجة فعلية ودفع أو إقناع سياسي، بأن سبيل الحل ينحصر بالتظاهر لإيصال رسالة للجهات المسؤولة، وإن العراق، حسب مفهوم أغلب السياسيين الذين أقنعوا معظم الشعب، هو دولة ريعية وستبقى كذلك ولا سبيل للعيش سوى بالوظيفة الحكومية، التي أصبحت حكراً بيد جهات سياسية وطبقة فاسدين، وإن الدولة وصلت إلى أشبه بالتوقف في جميع القطاعات، وحتى من قصَّر بحق الشعب يدعوه للتظاهر وكأنه خارج قوس الإتهام.
عُدَّ التظاهر أجلى صور التعبير عن الرأي، بإجتماع أفراد بشكل عفوي أو منظم، لدوافع سياسية أو اقتصادية، بل حتى شعبية وإجتماعية، كوسيلة لنيل غايات، لا غايات ليس لها أهداف، ويبدو أن السياسيين أقنعوا الشارع أن الوظيفة الحكومية سبيل وحيد للعيش، ولا سبيل للوظيفة الا بالتظاهر، وبما أنها غاية فلابد من تقديم تضحيات وسقوط ضحايا، وحتى إختيار الوظائف العليا تتحقق من خلال التظاهر، بعيداً عن أطر المؤسسة والصيغ القانونية.
من خلال المعطيات وحقيقة ما صُوِّر لكل صاحب حق أو مشهد تقصير في واجب حكومي، رُسم المشهد بهذا الشكل، كأن تتظاهر هنا شريحة وهناك أخرى بإنتظار مسؤول يستجيب لحقوقهم، بينما ذهبت شريحة ثالثة لمحاسبة مسؤول بشكل مباشر والمطالبة بالاستقالة أمام المتظاهرين، وفي كل هذه الحالات حدث إرباك في طبيعة عمل المؤسسة، كالتعيين فوق الحاجة وعدم توفر غطاء مالي، أو الأخذ من الأموال الاستثمارية لغرض توزيعها كرواتب، وفي الجانب الآخر إقالة ،فقد لا يكون الإختيار مناسباً أو أو لغرض التبديل بشخص معد مسبقاً أو أن الإقالة جاءت لدوافع سياسية أو ضغط لإبتزاز.
إن إشاعة مفهوم التعيين بالتظاهرات لوحدها، وتصويرها السبيل الوحيد لتنبيه المسؤول لأداء واجبه، يُعد تغييباً لعمل المسؤول نفسه وعمل الحكومة، من رئيسها إلى كل المفاصل المرتبطة بالتخطيط وإعداد البرامج الإستراتيجية، وبذلك تغيب دور العمل المؤسسي ويغيب التخطيط، وتكون الوظائف خاضعة للمزاجية والمزايدات السياسية، التي لا تعدو إقالة نزيه أحياناً للمجيء بفاسد يتبعه، وتعيين من يتظاهر، فيما هناك شعب أحوج منهم للتعيين الحكومي، أو التخطيط لتحسين واقعهم السياسي والاقتصادي والإجتماعي.
رغم أن فرص العمل ورعاية الحكومات لمواطنيها من أهم واجباتها او واجبها الرئيس، وكل الأفعال السياسية والإدارية تصب في هذه الغاية، ورغم أن التظاهر حق مكفول لكل مواطن والشعب مصدر السلطات، إلاّ ان ذلك لايعني عملاً بلا تخطيط مسبق ورؤية إستراتيجية، لذلك لا يمكن أن يكون التعيين أو فرصة العمل أو إقالة مسؤول محصوراً بالتظاهر، وأن لا تُجعَل الوظائف سبيلاً وحيداًللعيش، رغم أن التظاهر على مسؤول مقصر مطلب محق، إلاّ أن عدم إتباع الصيغ القانونية ستجعله يفلت من العقاب، وتجعل الدولة لا تستجيب إلّا بالتظاهر، وهذا ما يدخل التظاهر وهو حق مشروع، بما هو لا مشروع من التدخل السياسي والمصالح الخاصة والتدخلات الخارجية.
https://telegram.me/buratha