عمار محمد طيب العراقي||
توفر الكوارث والنكبات التي تمر بها الشعوب والأمم، فرصا نادرة لإصلاح البناءات المخطوءة في واقعها، وتصحيح مسارات شؤونها المختلفة، وإعادة ترتيب أوضاعها، بشكل يؤمن غدا صالحا للعيش الكريم.
تبرز قضية إنزلاق المسؤول، نحو تبرير الفشل أو رمي المسؤولية على الآخرين، كأمر يعطل الإصلاح ويشتت الجهد، وفي هذا الصدد، فإن الحكومة التي لا تمتلك شجاعة الاعتراف بأخطائها، هي اقرب للفشل منه الى النجاح.
إن الاعتراف بالخطأ عند حدوثه، ييسر مهمة إصلاحه، ويقود الى اتخاذ ما يلزم لتجاوزه، أو محاسبة مرتكبيه، وإذا جاء الاعتراف بعد استفحاله وتموضعه، وتحوله الى واقع معاش، فإن المعالجة تصبح صعبة جدا، وستكون شبه مستحيلة؛ اذا كان الاعتراف بالخطأ، بعد مغادرة المسؤول لموقع المسؤولية وتركها لغيره، وعند ذلك يتحول الاعتراف بالخطأ؛ الى فلسفة تبريرية.
لا معنى عملي للاعتراف بالخطأ اذا جاء متأخرا، أو بعد مضاءه وإسحكامه، وسيتحول الى ضرر على مسيرة بناء دولة المؤسسات، التي يراد لها ان تقود حركة المجتمع.
يكشف إعلان الأخطاء بعد مغادرة المسؤول، لموقع السلطة او المسؤولية، عن جملة من الافتراضات، اغلبها تنتج أخطاءا أخرى، وتفاقم الموجود منها الى حد الاستفحال، ومنها إشاعة روح الانتقام، بدلا من روحية الإصلاح، وإذا كانت المحاسبة؛ تقتضي عدم التهاون إزاء المخطئين؛ لحفظ الحقوق العامة، لكن عدم التهاون؛ ينبغي ان يكون هدفه الإصلاح والتصحيح.
قبالة شيوع روح الإنتقام، فإن شيوع روحية المحاباة، والترضية السياسية لهذا الطرف او ذاك، توفر بيئة ساكتة عن أخطاء المسؤولين، والتغطية على فسادهم المالي والإداري، وذلك هو الفساد السياسي بعينه، الذي يفضي الى تراكم الأخطاء الإدارية وعدم معالجتها، ما يضيع على البلاد، فرصا نادرة هي أحوج ما تكون إليها، بمقارعتها للوقت لطي مراحله، التي سببها الإهمال للتراكم والمتعمد لتطويره وبناءه.
الكارثة الصحية التي نمر بها، وخسارتنا لإحبتنا واحدا إثر آخر، وتفاقم الإصابات "المعلنة" الى أرقام بالالاف يوميا، وقوافل من نودعهم الى رحاب بارئهم، والتي لا ينتظر أن تتوقف؛ إلا بمعجزة إن يكتشف غيرنا لقاحا يقي البشرية، فيما جيشنا الأبيض الذي فقدنا منه كثير من أبطال المواجهة الشجعان، يقف شبه عاجز عن أن يفعل شيئا، مرة بسبب تهالك البنية التحتية للقطاع الصحي الذي كشفت السيدة كورونا عوراته التي تعد ولا تحصى، ومرة بسبب سوء تقديرات خلية الأزمة؛ التي تدار بعقلية الأمن وليس بعقلية من يفهم معنى الوباء، ومرة بسبب تحويل أجهزة الأمن قصة العزل الصحي الى عزل أمني، حسبما يوجهها بعض أغبياء الأمن أصحاب الرتب والنياشين، ومرة بسبب عدم تعاون المواطنين وإستهتارهم بأرواحهم.
كل ذلك يجب أن يكون منطلقا لإعادة البناء على الصحيح، الموجود في تجربتنا وتطويره، وتنحية الأخطاء وتجاوزها، والشروع الفوري بنهضة تصحيحية، وبإعادة بناء ما جرى تخريبه، إن كان على صعيد البنى التحتية، أو القوى البشرية التي أستفحلت بها أمراض الفساد، وإصلاح ما يمكن إصلاحه من الإدارات المسؤولة، والتخلص من تلك التي فقدنا الأمل بإصلاحها، عبر بوابات الطرد والتنحية، والعزل والمحاسبة، بل والسجن وفقا للقوانين النافذة!
السكوت عن أخطاء المسؤولين عن القطاع الصحي الجسيمة وتبريرها، يعد أكثر خطرا من الإرهاب، لأنه يوفر الأرضية الخصبة لإشاعة الفساد المالي والإداري، كما يعد ترك المخطئين يعمهون بأخطائهم، ومن كافة مواقع المسؤولية، وعلى الأخص المفاصل العليا منها، دون مراجعة او محاسبة، يتبرقعون ببراقع الوطنية، متمترسين بمتاريس صلاحياتهم الإدارية والوزارية، مخفين جرائمهم بحق الشعب، والمتمثلة بإضاعة فرص التقدم والتلاعب بالمال العام، يعد بحق اما اشتراكا معهم وفقا لتبادل المنافع، او التستر المتبادل على الأخطاء، والنتيجة مزيد من الإنهاك لحقوق الشعب.
مكمن الضرر في إضاعة الوقت، الذي كان يمكن استغلاله لتدارك الأخطاء، والوثوب الى موقع العمل الصحيح، وإلا هل يعقل أن نواجه الوباء بصيدلاني؟!
صحة الشعب وحياته ليست موضع تجريب، والحقيقة مهما صَغُرَت، تطفو دائما فوق الأكاذيب مهما كَبُرت، كقطرةِ الزيت تطفو ولو في بحر..!
شكرا
16ـ 9ـ 2020
https://telegram.me/buratha