المقالات

بناء الدولة في العراق !؟ -2-


 

ابراهيم العبادي||

 

اذا سلمنا بان مخاضات سبعة عشر عاما لم تكن كافية لدفع العراقيين نحو الاجماع على مشروع بناء الدولة ،فان ماينكشف خلف هذه المسلمة هو  اختلاف  الراي لدى النخب العراقية بشأن المشروع -النموذج الذي ينبغي تبنيه لاعادة بناء الدولة في العراق .

يتمظهر هذا الانقسام بوضوح في المتبنيات الفكرية -السياسية التي تعبر عنها هذه النخب ، وتبعا لها الجمهور الحزبي ،مع الاقرار بأن غالبية شعبية عراقية لاتجد نفسها معنية بهذا الصراع الايديولوجي ،وانها تنتظر وتتوقع ان تجني ثمار استقرار الدولة القوية الفعالة وليست معنية بتنظيرات المنظرين ولابشعارات الحزبيين ،لكن بما ان هذه الدولة العتيدة لم تر النور حتى الساعة ، وان نموذج الدولة الذي قام بعد عام 2003 بلامستقبل نتيجة عيوب تأسيسية خطيرة وتجربة سياسية بلا انجاز  ولا فاعلية ملموسة ...لذلك تتوجه الانظار الى صيغ ونماذج يُظن انها قد تكون البديل المناسب .

كرديا لااعرف دعوة  لاعادة بناء النظام السياسي وتغيير الصيغة التي قامت عليها الدولة بعد 2003 ، اصّرح من الدعوة التي اطلقها الدكتور برهم صالح عام 2014 في محاضرة له في منتدى الدكتور بحر العلوم ، بعدها يبدو ان الواقعية السياسية ومتغيرات الاوضاع الحزبية والسياسية لم تدفع السياسي برهم صالح لمتابعة الدعوة الى العقد السياسي الجديد ربما ادراكا من صالح وعموم الكرد ان دستور عام 2005 حقق وثيقة خدمت مصالح الكرد في العراق الفيدرالي مالن تأتي به اي وثيقة دستورية جديدة ،وبقي الكرد يتعاملون مع بغداد من منطلق خذ ماتستطيع واشتكي بصوت عال والقي تبعة الخلل في اداء منظومة الدولة على عاتق عدم التطبيق الحرفي للدستور وامتناع الاخرين (الشيعة)عن العمل بمنطق الشراكة التي وضع لها الكرد معاييرهم الخاصة وليس معايير الدولة الاتحادية كما في العالم اجمع .

سنيا اقتصرت الدعوات السياسية على نقد الواقع والعملية السياسية والدستور والالحاح الاعلامي والسياسي على قضيتي التوازن الوطني وتوسيع مشاركة السنة في النظام والمؤسسات ومراكز صنع السياسات والدعوة المستمرة لتحصيل الامتيازات ،والتظلم المتواصل من الاخطاء العسكرية والممارسات الامنية والتعريض الصريح بوقوع شيعة السلطة تحت النفوذ الايراني ،فضلا عن التذكير الدائم بالسيادة  المنقوصة والتركيز على الدولة العادلة بمايشي بمظلومية سنية متواصلة منذ التغيير ،لكن الدعوات السنية لم ترتق الى تقديم نموذج او مشروع لبناء الدولة يتجاوز اخطاء وعثرات النموذج القائم ،انما لتعديله وتصحيحه بالممارسة السياسية المبنية على احترام الشراكات والتوازنات الوطنية ! .

لسان حال الشريكين الكردي والسني يقول (سرا) ان هذا النظام القائم لن يستمر طويلا وانه سيصل الى محطته الاخيرة اما بثورة مسلحة او احتجاجات عنيفة او انفجارات اجتماعية وعليهم النأي بالنفس وترسيم ستراتيجيات دراسة وتقدير المخاطر ورسم سيناريوهات محتملة لتحصيل اكبر قدر من المكاسب والشروط التفاوضية .

أعطت احتجاجات تشرين الاول عام 2019 ،مؤشرا على ان شركاء العملية السياسية من الكرد والسنة ينتطرون ماذا سيسفر عنه الحراك الاجتماعي -السياسي (الشيعي)وكيف ستدير (الطبقة السياسية الشيعية ) معركتها مع هذه الاحتجاجات وماينتج عنها من اشتراطات وعوامل دفع باتجاه تغيير المسارات الراهنة للدولة.

كان لوقوف المرجعية العليا الى جانب الاحتجاج السلمي المنضبط ودعوتها للاصلاح  واعادة بناء النظام السياسي على اسس دستورية سليمة ، اوضح ملاحظة من جهة روحية عليا ، على ان النظام السياسي لم يعد قادرا على الاداء ،وان لحظة تصحيحه وتغييره قد حانت ، لتكون المخرج الوحيد من حالة الفشل والفساد وسوء الاداء والتفكير والتخطيط ،وقد وضعت المرجعية خطوات التصحيح بطريقة مقبولة للجميع، تضمن  شرعية دستورية للخطوات والاجراءات التصحيحية ،  اي انها لم تقبل باعمال عنيفة او ثورية او انقلابية ،انما  عبر الانتخابات المبكرة والنزيهة والنظام الانتخابي الذي يضمن مشاركة جماهيرية واسعة ،  وتغيير جدي وحقيقي للطبقة السياسية يأتي عبر صناديق الاقتراع ،ليمكن بعدها تنقيح الدستور ومعالجة مشكلات الفساد والمحاصصات والطائفية السياسية وهيمنة الاقطاعيات الحزبية المسلحة على مفاصل الدولة .

كان هذا مشروع المرجعية العليا الذي ظن الكثيرون ان ضغط الشارع من جهة ، وقلق قوى السلطة من جهة اخرى ، سيقودان الى القبول به جديا ،ولايجد الكرد والسنة غضاضة من القبول به ايضا ،طالما ان الشريك الاكبر او الفاعل السياسي الشيعي سيستجيب له ،لكن بمرور الوقت وبالمراهنة على انتهاء زخم الاحتجاج الوطني ،وتشتيت معركة الاصلاح بتوجيهها ايديولوجيا ، (اسلاميين متشددين  في مقابل علمانيين متطرفين) ،والتعامل معها وفق منظور أمني ،واستثمار دخول  اجندات سياسية وشعارات مقصودة او غير مقصودة شوهت مطالب الاصلاح  ،انتهينا الى فوات فرصة كبيرة لاصلاح النظام السياسي ،وبقي التعويل على هامش محدود وأمل ضعيف بأن تسمح الانتخابات المبكرة بتظهير تفكير وجيل سياسي جديد في اوساط الشيعة اكثر عمقا واقل ادلجة ،  يستطيع التفاهم مع شركائه في الوطن ،  بأتجاه ترسيم نظام دولة قادرة على مواجهة استحقاقات قاسية وخطيرة مالية واقتصادية وامنية وسياسية  .

عودة اليأس الى نفوس الناس بسبب الاعيب حزبية تريد صياغة القانون الانتخابي وتصميم الدوائر الانتخابية  على مقاسات الاحزاب والتيارات الحاكمة ،سيطيح  بالآمال التي بقيت تراهن على الانتخابات المبكرة كمخرج وحيد من حالة الانسداد  تُحدث تغييرا  في مسار الدولة ، وقد تفسر قوى السلطة ذلك نجاحا لها بالنجاة من بطش الانفعال والاحتجاج الاجتماعي ،لكنها ان لم تقرأ الامور بوعي عميق ستخسر كثيرا على مدى ليس بعيدا ،  وستتحمل مسؤولية الانهيار القادم ،فهذا النظام لن يقوى على مواجهة المشكلات المعقدة ،وبخسارة التفويض والرضا والثقة الاجتماعية سيسقط  حال أنفجار  هذه المشكلات دفعة واحدة ،وهذا مالايريده وطني او اسلامي  غيور ، كما  ليس عدلا  ان يتحمل كل الشيعة مسؤولية هذا الفشل لان بعض قواهم التي هيمنت وانتفعت من السلطة تقاوم الاصلاح وتقف بوجه التغيير لخفة وعي ولضخامة تفكير شعبوي مؤدلج .

بقي ان نشير الى ان  عدم الاتفاق على مشروع  لاعادة بناء الدولة  والنظام يستدعي النظر الى المشاريع الاخرى المقدمة من شخصيات وقوى شيعية عديدة ،وهذا ماسنستأنف الحديث به في الفرصة القادمة .

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
فيسبوك