عمار محمد طيب العراقي||
كنا قد توصلنا في مقاربات سابقة، الى أن الأنظمة الديكتاتورية، تطحن الهويات الفرعية والانتماءات بجميع أشكالها؛ لتصهرها في شخص الزعيم وحزبه، إذ لا يمكن لحملة الفكر الشمولي أن يتصوروا؛ وجود هوية غير هويتهم، وفي العراق جرى على قدم وساق وطيلة 40عاما من الحكم البعثي، تغييب الهويات الفرعية، لصالح هوية الحزب وقيادته، وكنا نسمع بأستمرار شعار "اذا قال صدام قال العراق"..بمعنى أنه كان محرما على أي رؤية أو فكر أو ثقافة؛ أن تعبر عن نفسها، وفقط كان مسموحا للثقافة البعثية أن تسود.
كان تغييب الهويات الفرعية يجري بتخطيط خبيث متقن، وكان ينفذ من قبل أجهزة الدولة البعثية جميعها، وكل حسب تخصصه، لكن الإقتلاع من الجذور بالتهجير والقتل والتشريد، كان تخصص الأجهزة الأمنية القمعية، وبإسهام فاعل من قبل القوات العسكرية، التي تولت مهمة التهجير وسفك الدماء، وكان الفيليون ولأسباب معروفة؛ بعضها ديني مذهبي، وبعضها عنصري قومي، يمثلون الهدف الدائم للسلطات البعثية.
لقد كان ما كان في العراق؛ الذي زالت سلطته المركزية عام2003، وقتها تبين أن تشظّي الدولة احتمال قائم، وفور الإطاحة بالطاغية صدام؛ كانت هنالك مخاوف من احتمال؛ عودة البلاد إلى «مكوناتها الأساسية»، كردة فعل منطقية لسياسات التهميش والإجتثاث، وكان متوقعا أن ينتقم المهمشين والمجتثين من شانئيهم، بل كان متوقعا أن تحدث مجازر، يصاحبها ظهور أشكال جديدة من الولاءات والانتماءات، بما يعكس نسيج المجتمع الحقيقي.
لكن الفيليين لم يتصرفوا على هذا النحو قط، فعلى الرغم من ان الأجواء كانت مهيأة الى ذلك، إلا أنهم سلكوا الطرق الديمقراطية لتحصيل حقوقهم، والتعبير عن هويتهم الأثنية والثقافية، التي لم يغلبوها على هويتهم الوطنية، التي بقيت مقدمة لديهم وبمسافة كبيرة على هويتهم الفرعية، مع أنه بالعادة وفور الانفكاك من ربقة الاستبداد، تظهر على السطح إنكفاءات المكونات الأثنية، نحو ذواتها بشكل لافت، خصوصا أن السلطات البعثية كانت قد أخفقت على مدى عقود، في إيجاد هوية وطنية جامعة تتسع لجميع الأطياف.
الحقيقة وفي ظل عدم حل القضية الفيلية من جذورها، من قبل النظام الذي أتى بعد الأطاحة بصدام، لا يمكن الإطمئنان الى الأبد، الى أن المظلوم لا ينتفض رافضا الظلم، وسيكون إستمرار عدم حل القضية الفيلية حلا جذريا عادلا، مدعاة لحصول تغير دراماتيكي؛ في موقف الفيليين المظلومين تجاه النظام القائم حاليا، ومن المحتمل جدا أن لا يبقون كتلة صماء، بل سيعلنون عن أنفسهم في لحظة ما!
المقصود بإعلان الفيليين عن أنفسهم، هو تحولهم من داعم للعملية السياسية والنظام القائم الذي أنتجته، الى خصوم حقيقيين لها، مع ما يتبع هذه الخصومة من تطورات، ستكون بالتأكيد ليست في صالح إستقرار العراق.
إن بقاء القضية الفيلية بدون حل ناجز، سيكون سببا لحصول صراع متفجر لا تحمد عقباه، ومن الممكن أن ينتقل الفيليين من الإيجابية الى السلبية بكل أبعادها، لأنهم مكون يريد إعترافا بوجوده على أرضه في موطنه التأريخي المعروفـ والإقرار بإستحقاقات ورفع مظلوميته.
بذرة الصراع موجودة وكامنة، بانتظار لحظة الإنبات المناسبة، هذه البذرة تكمن في إهمال الحكومة وعدم إلتفاتها الى هذه المشكلة المعقدة، وعدم تحركها نحو الفيليين؛ مع أنهم تحركوا نحوها بخطوات واسعة، فقد كانت وفود الفيليين ما انفكت تعرض قضيتها على قيادات النظام القائم، التي حولت القضية الفيلية؛ الى ميدان لإستعراض المهارات العلاقاتية، مستغلة إياها أبشع إستغلال، مكتفية بالوعود العائمة على غيوم العملية السياسية، دون نتيجة حقيقية.
حصد ساسة ما بعد صدام؛ كثير من المكاسب من الفيليين على حساب قضيتهم العادلة، ولقد آن الأوان لتسديد الحساب..!
ـــــــــــــــــ
شكرا
9/9/2020
https://telegram.me/buratha