ضحى الخالدي||
· لماذا فرنسا و ليس ألمانيا؟ بين نشيد المرسيلييز ومحركات كارل بنز
· مقاربة من الضفة الثانية للدور الفرنسي الجديد في الشرق الأوسط
قد نستغرب إستبعاد ألمانيا الدولة الغنية القوية من رعاية المصالح الغربية في الشرق الأوسط. ألمانيا التي تحتل مخابراتها المرتبة الخامسة في التغلغل داخل الساحة العراقية حسب بعض التقديرات الإستخبارية, و هو رقم صعب إذا ما اعتبرنا سيطرة مخابرات (الولايات المتحدة، إسرائيل، بريطانيا، إيران) تشمل المراتب الأربعة الأولى, فهي تجاوزت تأثير روسيا, و لعبت على وتر التأثيرات المجتمعية من خلال الاندكاك بالفئات الشابة للمجتمع و توجيهها بما يخدم المصلحة المشتركة لكبار اللاعبين.
لكن ذلك لم يشفع لها, و لم يشفع لها الأصل الألماني لعائلة روتشيلد, و لا كونها مهد البروتستانتية, و أن ثلث سكانها من البروتستانت, و ثلثها من الكاثوليك,على العكس من فرنسا الكاثوليكية بنسبة 88%, و لم يشفع لها إنتشار الإلحاد و اللادينية في صفوف المذهبين المسيحيين في ألمانيا بنسبة تجاوزت 60%, و لم يشفع لها طلب وِد دعاة السامية لعقود بعد الحرب العالمية الثانية. فهي لا تزال تدفع ثمن سياسات هتلر, و ثمن رغبة شعبها بمغادرة القوات الأميركية لقواعدها على الأراضي الألمانية.
فما الذي جمع الصهاينة و البروتستانت الإنجليكانيين مع فرنسا الكاثوليكية؟
في فرنسا يقع المحفل الماسوني الأخطر في العالم؛ و هو أخطر حتى من المحفل الإسكوتلاندي و المحفل الأميركي، و الإيطالي. و هنا لا أرغب بالإدعاء أن ألمانيا حمامة سلام في شرق العالم و غربه.
التحالف الفرنسي مع الصهاينة هو تحالف العَلمانيين و الحاقدين على الكنيسة؛ ورثة الماسونيين الأوائل و عرّابي الثورة الفرنسية و إن كانوا من خلفيات و أصول كاثوليكية.
تمثل ألمانيا خطورة على التحالف الأنجليكاني- الصهيوني لأنها أمة منتجة, حتى أن أزمة الأعوام ٢٠٠٧-٢٠١٠ الإقتصادية لم تهزها بسبب طبيعة اقتصادها المعتمد على التصنيع و التعليم الفني، على العكس من استثمار المملكة المتحدة و فرنسا في البنى التحتية و الخدمات, و إستثمار الولايات المتحدة في سوق الأوراق المالية, مما أسرع بانهيار اقتصادات هذه الدول. هذا هو ما يخيف أميركا و الحلف الصهيوني رغم كل محاولات ألمانيا لتطييب خاطر أنصار السامية, بغض النظر عن تأريخ الحروب بين المعسكرين خلال المئة و خمسين عاماً الأخيرة, و التي استعرت منذ نهضة بروسيا الصناعية و العسكرية. بل إن بروسيا ذاتها كانت دولةً بروتستانتية, بعد حروب مذهبية طاحنة عصفت لقرنين بالولايات الألمانية. و كان اليسوعيون (طائفة من الكاثوليك) يوصفون بالخبث بين سطر و آخر في رواية الجبل السحري لكاتب بروسيا الأبرز الماسوني (توماس مان). و هذا لا يعني عدم وجود كاثوليك ماسونيين, فالماسونية تضم حتى المسلمين.
تجربة السوق الإجتماعي التي تبناها المستشار الألماني الأسبق كونراد أديناور (1949-1963) و استوردها من (بريطانيا الثلاثينيات) بعد أزمة عام 1929 الإقتصادية؛ هي التي ارتقت بالإقتصاد الألماني (سوق حر تشرف عليه الدولة و تضبط إيقاعه لحماية الطبقات الفقيرة) و هو سلوك بدأت الصين بتطبيقه مؤخراً تحت غلاف الإشتراكية الصينية الجديدة، و أنتج طبقة متوسطة واسعة في الصين.
كاثوليكية ثلث ألمانيا لا تشكل تهديداً بقدر كاثوليكية إيطاليا أو فرنسا أو إسپانيا لأنها دول تابعة للسياسة الأميركية و مرهَقة إقتصادياً, فقد كان مجرد التخلي عن دعم روما أبان الموجة الأولى من جائحة COVID-19 كافياً لتوجيه ضربة قاصمة لها و لاقتصادها. ليس التهديد نابعاً من دول تبلغ نسبة العجز المالي و الدين السيادي 160% من إجمالي الناتج المحلي, فهذه لعبة الغرب المفضلة. إنما التهديد في العقول المنتجة و المستقلة, و التي تصنع دولاً قوية.
https://telegram.me/buratha