أمل هاني الياسري||
لم تنتهِ كربلاء في العاشر من محرم الحرام، فلقد رسم الأحرار الحسينيون واقعة الطف، تأريخاً عظيماً لطلب المجد، وإعتلت رؤوسهم الرماح، لأن رحلة شاقة وعسيرة بإنتظارهم، منوعة بأقسى صنوف العذاب، والقسوة، والأحزان، يتقدمهم رأس رجل أراد الإصلاح في أمة جده، ولم يكن نصره عاجلاً، بل صنع نصراً آجلاً خالداً شاملاً، وما أفعله أنا من طقوس وشعائر، يراه إبني ليقلده حفيدي، وهكذا تتخرج كل يوم وجبات جديدة، من أجيال الحرية والكرامة.
ليلة دفن الأجساد في الثالث عشر من محرم، وثيقة ناطقة بالدم والدمع، لأن الأبصار والبصائر ترنو للبيت العلوي، والذعر والخوف والنار تتخطفهم، وما جرى من حرق للخيام، وموت للأطفال عطشاً، حدث عندما ولت الأمة أمرها لمَنْ لا يستحق، فكربلاء صحيفة إدانة على همجية العدو، ومكاشفة عالمية ضد الأنظمة الإستبدادية، وقد أرعبت العتاة والطغاة، فتأريخ الدين والعقيدة، يكمن في قبور شامخة تبث الحياة للجميع، وما وجدت إلا العقيلة زينب، لتقوم برسم ملامح هذه الليلة الأليمة.
الحادي عشر من محرم والأيام التي بعده، سيسكت العالم بأسره، فلون الدم المنتصر هو المسموع، فهناك صوت يصدرمن رأس رجل يريد الإصلاح في أمة جده، ليعلن إنتصاره الأزلي، نعم إنها السيدة الحوراء زينب (عليها السلام)، هي مَنْ قصّت لنا كيف أن مخيم الحسين، كان نهاره مكابدة وصوم، وليله صلاة وإقتراءُ، وأنهم تركوا أجسادهم في العراء، ومضوا صوب الكرامة الأبدية، حيث حياة لا موت فيها أبداً، ليعلمنا أن نحسن الصنع بكرامة في وطننا.
لقد علمتنا بيانات عقيلة الطالبين (عليها السلام)، أن ما جرى في كربلاء، يعد تأشيرة دخول الى عوالم أخرى، لا تعرف الخنوع أو الخضوع للطغاة، وأن دروسها ستبقى قيد الدراسة، والتحليل، والتطبيق جزاء حرية الإنسان والأوطان، وأن الرعب والدمار الذي عاشته حرائر الحسين (عليه السلام)، هو نفسه الألم والأسى الذي زرع على باب الزهراء (عليها السلام)، حين غُصِبَ حقها وأُسقط جنينها، لكن الإرادة القوية، والإيمان المطلق بالغيب، والتوكل المكمل لصفات الوعي والتقوى، كلها جعلت كربلاء خالدة.
نقلت لنا السيدة الحوراء (عليها السلام) من دروس كربلاء، أن السلاح المجرب، وهو الموت بشرف وإباء لأجل العقيدة والدين، التي حاول الفاسدون تغيير مسارها، والإنحراف بأحكامه وهدم الإنسان، لذا تقبلوا حقيقة أن ما حدث قد حدث، إبتغاء رضوانه تعالى، وأنه لا يمكننا تغيير الماضي، لكن بإمكاننا صناعة المستقبل المفعم بالكرامة، وأن عِبر كربلاء ومنابرها، وفرت للبشرية الخبز الحلال والعيش الكريم، وعليه كانت الحوارء أم المصائب(عليها السلام)، منبراً وهي تقول لأنصارها: عندما ألتقط أنفاسي الأخيرة سأكون معكم!
اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
https://telegram.me/buratha