محمد وناس||
( كل الوقائع حقيقية باستثناء الاسماء )
بعد منتصف الليل بين خشيتي وبين تزاحم افكاري يستولي الارق على اجفاني يسرق النوم منها ويسافر بأفكاري الى ذلك النهر الصغير الذي يخترق مدينتي , الى مهدي الصغير (ابني ) وضحكاته التي يطلقها فرحا بخطواته الاولى .
اهرب من ارقي خارجا من غرفتي باتجاه احدى نقاط المراقبة ليجذبني صوت محمد وهو يدندن مع نفسه بصوت مسموع
عمرك ابد يا ابد
متباهي بحيلك
عمري شكثر جم شهر
جم يوم جم ليله
انت الوفه والهوى
ولحنه ومواويله
بلياك يا ضيعتي والقلب ياويله
اشتاق لك يا نهر يالبردك يجنن
اقترب منه ......
_ محمد ميصير هيج عمي , صوتك يخليهم يستمكنوك وليدي
_ حجي مو بيدي
لينطق محمد ( حمييد كما يحلو للشباب مناداته) . ليروي لي طرف من قصه عشقه ل ونسة بنت السلف ( القرية ) . ويصف شوقه للإجازة ليفرح بزواجه منها
ونسة ... ( طويرة حرة ) في ربيعها السابع عشر وبكل ملوحة العماره وطيب اهلها اقترنت بحمييد ابن السلف مع كل اعتراضات (حبايبها) وإشاراتهن المبطنه بان حمييد تطوع للحشد ولن يترك هذا العمل وقد يستشهد وتتحول ونسة الى ارملة.
اغلب رفاق محمد من منطقته ومن مدينته ويعرفون حكاية عشقه لونسه وكيف خطبها وجميعهم يحاولون بأي طريقه ان تتوافق اجازاتهم مع اجازه حميد ليحظروا زواجه , وبين الابوذيات والمواويل التي يرددها بصوته الجميل وبين الموبايل الذي لا يفارق اذنيه اطلق الجميع على محمد لقب ( حمييد العاشق )حتى تحول محمد الى حكاية في كل الفوج يعرفه الجميع , وحين يتعرض المكان الى تعرض من داعش يُصر الشباب على ابقاء محمد في موقع متأخر حرصا منهم على سلامته دون ان يشعروه وحين يكتشف انهم يحاولون ابعاده عن خط المواجهه يصرخ بهم ( انا اخو باشا والله ,, ولكم انا اَخوف الموت ما اخاف منه ) .
تزوج محمد ... ليرتفع صوت مواويله
التغريب كله تعب
دير البلم حدار
وخلي الليالي تمر
نكته وسمر واشعار
تشرب عيوني كمر
بس الخدود تغار
بعد منتصف ليلة ما , وبعد عودته من احدى اجازاته لم اسمع صوت مواله وأنا اتجه نحوه ,
_ ما بك محمد
_ حجي ما ادري ... افرح ؟؟؟ ..... مدري احزن ؟؟؟ ... ابجي ؟؟؟ .... مدري اضحك .. ؟؟؟
تهادت الكلماته كانسياق ماء دجلة على اطراف قلعه صالح .
في الليله التي سبقت التحاقي اخربتني ونسه انها حامل من شدة فرحي قفزت وأنا اصرخ ( موش اذبح عجل واعزم السلف كله ) ,
لم استطع النوم بين فرحي وبين خشيتي من ان استشهد قبل ان اشاهد ابني .
_ محمد .. تخاف من الموت ؟؟؟
_ لا حجي ما اخاف وأنا اخو باشا والله وأخوف الموت .. لكن يا حاج ان يلد ابني يتيم امر لا استطيع تخيله .. ويقلقني جدا التفكير في ونسه وهي تصارع شظف العيش لتربيه ابني ..
وقد اوصيت امي وزوجتي ان كان المولد صبيا يسموه عباس وان كانت بنت فليسموها زينب .
حاولت ان امسح هذه الافكار القاتمة من مخيلة محمد , طلبت منه ان يسمعني صوته الجميل .. ليوجه بصره نحوي بنظره استغراب ( شعجب حجي . مو انت تقول لا تغني بالواجب )
ثم اطلق العنان تاركا صوته يسرح في صحراء الموصل
وبس تعالو
ولو اجيتو فرحوا روحي العذبتني تريدكم
والله لو جيتو وكعدتوا
عيوني احسب بيهن غشا وما اقولن انتو
لان صرتو مستحيل
لا تجونا لا نهار ولا بليل
صرتوا بس ذكرى عزيزه ما تغيب
في صحراء الموصل , حوصر محمد ومجموعته المكونه من خمس مقاتلين من كل الجهات وبعد استشهاد كل رفاقه بقي محمد يقاتل وحده وسماعه الموبايل لا تفارق اذنه , يكلم القوه التي تريد فكر الحصار عنه تارة . ويكلم ونسة تارة اخرى .
استشهد حمييد العاشق . بعد ان استنفذ كل ما عنده من رصاص وكل ما عند رفاقه الشهداء .تاركا تحت قديمه كومه من بقايا اغلفه الرصاص الفارغة .