المقالات

الهوية الوطنية العراقية -2-


ابراهيم العبادي||

 

يجمع العراقيون بمختلف انتماءاتهم على ان هويتهم الوطنية متصدعة ، وان انتماءهم الى العراق مشوب بعناصر انتماء اخرى ، تعلو على ذلك الانتماء ،  وتزاحمه شعوريا وسلوكيا ،رغم ان اكثرهم-  ولاأقول جميعهم - يحبون العراق حبا جما ،ويتمنون رفعة ونهوض بلدهم ،لكنهم مختلفون الى حد الصراع والاقتتال والتعارض المفاهيمي على كيفية النهوض بالبلاد وبناء الدولة وترسيخ الوحدة الوطنية والسلامة الاجتماعية .

 نقطة الانعطاف التي حصلت بسقوط دولة الاستبداد والقمع والفشل عام 2003 ، كانت تمثل بداية مرحلة جديدة -مفترضة -لاعادة بناء الدولة وتجاوز  عيوب ومسببات الفشل الحضاري الطويل الذي آلت اليه  .

 لقد كانت الدولة وعبر نظامها السياسي (السلطة)  هي المسؤول الاول عن تفكك المجتمع وتدهور شعور العراقيين  بمفهوم الهوية الوطنية الجامعة ،وفي هذه اللحظة المفصلية  حصل خطأ جسيم اخر في تاريخ العراق السياسي ،  فقد سارت الامور بالاتجاه الخاطيء تماما لبناء الدولة الحديثة وصار بناء الهوية الوطنية يسير بالاتجاه المعاكس  ، فلم يعد  المواطنون يشعرون  بانهم ذوو هوية جامعة توحدهم وتدعوهم   الى العمل والبناء،  وتعويض سنوات الهدر والحرمان والفقر والاقصاء والعنف والخصومة المجتمعية والمذهبية والقومية التي لم تختف يوما ما .

الان بات بأمكاننا القول ان  سنوات مابعد 2003 كانت ابعد ماتكون عن مشروع اعادة بناء واعية،  لضحالة الفكر وفقر التجارب ، وسطحية الطبقة السياسية، فقد ظهر واضحا تدني   مستويات الادراك - وفق مفاهيم علم النفس السياسي  - لمعنى وقيمة وضرورة النأي عن اي خطوة او سلوك سياسي او خطاب ثقافي او بناء مؤسسي او قرار اداري او امتياز اقتصادي او مالي يقوض الشعور الجمعي  بالمصلحة العراقية العامة وليس المصلحة الفئوية  ، صحيح ان البلاد كانت تعاني من تعددية سياسية انقسامية  ، وتصادم بالمشاريع والطموحات والتنافس الشرس  ......

لكن البناة لم يكونوا- وربما لم يريدوا- السير بوعي وحذر واحتياط في ذلك ، مضافا الى الكيد السياسي والمشروع المعادي  متعدد الاتجاهات  ،فلم ينتج عن هذه المسيرة الملتهبة الا تنازع ايديولوجي صاخب وتقسيم للمجتمع ،  وانهيار لمؤسسات الدولة واحتراب علني او مضمر  بين الطوائف والقوميات والاثنيات وانقسام داخل هذه المكونات والمؤسسات الاجتماعية او الدينية  .

في هذا المعترك الرهيب  ضاع الفرد -المواطن ،واستقطبت  القوى الحزبية والسياسية الى مرجعيات سياسية  ومشاريع ايديولوجية تقودها محاور اقليمية ودولية .وماعاد العراقي يشعر في وعيع ان دولته تمثل اولوية سياسية عنده ومرجعية سياسية نهائيا  ،فقد ضاعت الهوية واضمحلت الدولة وقويت قوى ماقبل الدولة (الدين ،المذهب ،الطائفة ،العشيرة ) وقوى موازية للدولة تنافسها على السيادة والفعل واستخدام السلاح والنفوذ على المواطنين وتملي مواقفها وتأخذ حصتها من الريع تحت غطاء الانتماء الى الدولة ،اصبحت  الدولة اسم على غير مسمى ، وتلاشت شوكتها  وتوزعت هويات مواطنيها وعجزت عن الانجاز وتوحيد الراي العام ومشاعر المواطنين وارادتهم لمواجهة التحديات وانجاز الوظائف المناطة بها.     

كان انطلاق احتجاجات تشرين لحظة (تدشينية ) لوضع النظام السياسي تحت مبضع التشريح ، وكان ممكنا الاستفادة من هذه اللحظة لتكون محطة  مراجعة لمسيرة النظام وتفكيك الالتباسات لولم تنعطف هذه اللحظة الى صراع ايديولوجي مكشوف  بين قوى السلطة وقوى تريد انتزاع هذه السلطة تحت مسمى الاصلاح والتغيير والثورة على الواقع .

هل دشنت لحظة تشرين بداية صياغة لهوية وطنية جديدة تستوعب المتغيرات وتدمج التباينات والتمايزات والهويات الفرعية ؟ يصعب الجواب بنعم ،فما لحظة الاحتجاج الا بداية اعتراض وصدمة وعي ، لقد رفعت شعارات كبيرة واعلن هذا الاحتجاج الساخط انه ساع الى  استخلاص الدولةالضائعة من مخالب قوى لاتؤمن بفكرة الدولة السيدة المهابة ، باعلاء فكرة العراق أولا واخيرا ،ومصلحة العراق ومواطنيه واقتصاده وسيادته فوق مصالح الاشقاء في الدين والمذهب والقومية.

 لكن خطاب الاحتجاج لم ينجز سوى التذكير بهذه الحقائق ، ومهاجمة من يظن انهم مسؤولون عن انحطاط فكرة الهوية الوطنية،فالواقع يقول ان الاحتجاج ظل محصورا في نطاق جغرافيا وحاضنة اجتماعية محددة (شيعية ) ولم يتحول الى خطاب وطني مقنع للشركاء الاخرين ،الا اذا سلمنا بان الاكثرية الشيعية تتحمل مسؤولية انقاذ الدولة من القوى المهيمنة عليها ،عندئذ سيقال ان الاحتجاج شيعي ضد حكم يغلب علية الشيعة عدديا ، وبالتالي ماعلى الاخرين سوى انتظار مايسفر عنه هذا الصراع ، لكن شرط نجاح هذا  الحراك في صياغة هذة الهوية الوطنية الجامعة  معلق على رؤية عقلانية جاذبة لشركاء الوطن خارج الشيعة ليحملوا نفس الاهداف والغايات.

 ولايعود الكردي يفكر بخلاصه خارج فكرة العراق الموحد ،ولايعود السني يعلي من شأن سنيته بدعوى انتمائه لاكثرية سنية عالمية او عروبة قومية خارج حدود العراق ،ولايتجه التركماني الى تركيا ضامنا وحاميا مثلما على الشيعي ان لايفكر بغير العراق أولوية او مسؤولية أو تكليف او ولاء .

 فلن يكون معنى لانفراد فريق وطني بتحمل مسؤولية انقاذ البلاد والدولة والمجتمع من الوباء السياسي ليستمتع الاخرون بنتائج وفوائد هذه الحركة سياسيا وهوياتيا دونما مساهمة في تصحيح الانحرافات عن الهوية العراقية بمستوياتها المتعددة.

 فالهوية شرط معلق على حراك كل فئات المجتمع واطيافه لتنقيح الواقع من انحرافاته وعلله ،فهل سيتحمل شركاء الوطن من السنة والكرد والاخرين المسؤولية ويعاد للمواطنة والانتماء الاكبر اعتبارهما ،  ليبقى العراقيون موحدين بالانتماء وارادة العيش المشترك والمشروع السياسي الواحد !؟.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
فيسبوك