ليس لي.. خذوه إن شئتم.. نعم يبدو عليه شيء مني، ومنه تعرفون اسمي ولقبي وطيبتي ونزقي .. لكنه ليس لي.. هذه الأوجاع التي يبوح بها هي أوجاعي.. وهذا الصدق الذي ينزفه كان سببه طعنة سائبة.. لا يغركم أني أعتني به وأكفكف دموعه حين يبكي وأطبخ له الابتسامات الطازجة.. وأحمله معي دائما.. وأخفيه عن المتربصين وأخاف عليه.. لكنه ليس لي. أشياء كثيرة ليست لي وأخاف وأبكي عليها دائما.. مثل هذا الذي يملك ذراعين من ماء ووجهاً أسمر الخسارات وجسداً محترقاً بالتمر.. ومع أني أموت عليه ومنه وله، لكنه ليس لي. مثل قميصي الذي وجدوا عليه - بعد موتي - قبلةً من فمٍ كذب، وحين قمت بالتحقيق مع ذاكرتي عن الحادثة كانت النتيجة أنه ليس لي، مع اني كنت الشخص الوحيد في تلك الحادثة وأحفظها عن ظهر "شهوةٍ" ولذةٍ ولنقلْ : عن ظهر حب أيضاً.. لا يهمني فهو ليس لي. مثل بيتي الذي كتبته على السبورة حين كنت اتلعثم الحرف.. دال، ألف، راء.. حين كبرت بنيته دمعة دمعة لكني لم أتمكن من لفظ حرفه الأخير.. ربما لأنه ليس لي. عانى من الراء كان الحب يزعجه فأتقن الحرب راءاتٍ ليخذلني لا يغركم ما ضربت من الأمثال.. الأمثال شيء من المناورة.. بل ضربٌ من الشتائم الناجية من العقاب لأنها "تضرب ولا تقاس" وتُعتَمد رغم عدم دقة قياسها.. قلت إني أعتني به كثيرا وعلى الرغم من أني أشاهده كل لحظة ، أجدني مضطرا لحمل صورته في محفظتي لأقدمها لمن يطلبها مني.. لو كان لي لما حملت صورته.. لا أدري إن كنت احبه أم لا.. فقد عرفته منذ دمعة أمي وابتسامة أبي، لكن الجميع عرفوه قبلي.. لذلك احتفظوا لي بصور قديمة له وقالوا : خذ هذه الصور لك.. أما هو فليس لي فلو كان لي لما عرفتموني ولا بقي يزعج من يعبث بغيابي ولا بقي يؤرق من يحبني.. مؤخراً صرت لا أعرفه بعد اختبائه خلف كمامة بسبب الوباء.. لم أشعر بالقلق عليه.. ربما لأنه صار ليس لكم أيضا !! وجهي ليس لي أبدا إنما هو طريقكم إليّ.. ترى كيف ستصلون إلى معرفة من يرتدي كمامتين! ربما يموت أحدهما بالوباء . إنه الوحيد الذي لا تنفع معه الكثرة. يا لتعاسة وتفاهة وعذاب من له وجهان وكمامتان. وجهي ليس لي بل هو عيونك باتجاهي. ٢٤ / ٨ / ٢٠٢٠
اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
https://telegram.me/buratha