عمار محمد طيب العراقي||
يفتقد جوهر العملية السياسية في العراق الى مقومات عدة، في مقدمتها إحترام القيادات السياسية لنفسها ولوعودها وأقوالها وللشعب في المقام الأول..إذ يعتنق معظم تلك القيادات النظرية الميكافيلية في إدارة الدولة.
في الأدبيات السياسية ارتبط اسم المفكر الإيطالي "نيكولا ميكافيلي" بالسياسة اللا أخلاقية، كونه يقول إن هدف السياسة ليس الأخلاق، وإنما النجاح والفعالية، النظرية الميكافيلية مبنية على مبدأين لا ثالث لهما، الأول هو أن ولوج العمل السياسي، يجب أن يكون على قاعدة أن السياسة هي فن الممكن..والثاني هو ان الغاية تبرر الوسيلة..
لعمري فإن ذلك هو ما تسبب بكل مشكلاتنا، منذ أن تغير نظام القهر الصدامي، الذي كان هو الآخر معتنقا وبقوة، لهذه النظرية الشيطانية في العمل السياسي..
في الملمح الأول من ملامح الميكافيلية العراقية الجديدة، حيث كلام الساسة مصنوع من الزُبدَةِ، لكن ما إن تعلو الشمس عليها فأنها تسيح..! وحيث أن معظم الساسة العراقيين وعلى مختلف إنتماءاتهم، يعتنقون البعثولوجيا بقصد أو دون قصد، فضلا عن أن الفترة المنصرمة من حياة العراق السياسية، تميزت بظاهرة التناحر السياسي، وكان هذا التناحر على أشده عند حلول أوقات الأستحقاقات السياسية.
من جانب آخر فإن الأتفاقات السياسية في معظم أطرها، تفتقر الى المعيارية القانونية، والى المشروعية الشعبية، والى الشرعية الدستورية، لذلك فإن تلك الإتفاقات وبعمدية فجة، تقفز على الدستور والقوانين، كما تتجاهل في معظم الأحوال رغائب المواطنين ومشكلاتهم، الأمر الذي يتسبب بمشكلات جديدة، تفوق المشكلات الأقدم في تأثيراتها على المواطنين وحياتهم.
فن الممكن الذي درج الساسة العراقيين على ترديده ببغاويا، وهو تعريف لا يصلح لنا ولا ينسجم مع تراثنا وتقاليدنا، ناهيك عن عقائدنا، ففن الممكن يعني أن يقول السياسي كلاما اليوم، ويعد وعدا في مكان ما لفئة ما، ثم "يلحس" قوله ويتنصل عن وعده، بدعوى أنه غير ممكن..
في الملمح الثاني المتعلق بغائية العمل السياسي، يبدو أن اختلاف المناهج والرؤى والأطاريح، وعدم العمل من قبل التيارات والقوى السياسية، باتجاه تغليب المصالح الوطنية العليا، على المصالح الحزبية والفئوية والشخصية، وعدم البحث عن مشتركات عملية وفكرية، كان عاملا مهما في ملاعب السياسة، يكمن دوما تحت السطح؛ ليخرجه الراغبون بتازيم وضع ما، لتحقيق مآربهم على اختلاف مشاربهم.
خلافا لما يفترض من أن عامل الزمن قادر على حلحلة العقد، لكن في حالتنا ونتيجة لإعتناق الساسة المبدأ الميكافيلي، فان عامل الزمن عمل يعمل بالاتجاه السلبي، فبدلا من ان يعمل الزمن على تفكيك عوامل الخلاف، فإنه ساهم بتكثيفها؛ لان الذين يعملون بالشأن السياسي ومن كل المكونات والاتجهات، وان كان ذلك بدرجة متفاوتة؛ لم يولوا مشكلات الإختلاف العناية المستحقة، بل كانوا دوما يتجاهلون ضرورة قبول الاختلاف، كمقدمة لقبول الآخر وتفهم رأيه.
من البديهي أن للزمن إستحقاقاته، لاسيما وأن تجاهل الاختلافات، يصيرها بالتقادم الزمني الى خلافات، تحتاج جهد عظيم حتى يمكن تجاوزها، لكنها ستترك آثارا لا يمكن إمحائها.
النقطة الأهم؛ هي التي تتعلق بإضفاء "الطابع الأخلاقي" على السياسة، والسعي الى فرضه او ترويجه باستخدام السلطة وادواتها، لكن اجتماع الأخلاق والسياسة على سطح واحد، قد يكون فقط على مستوى الكلام فقط، بينما في الواقع فإنهما متنافران لدرجة التضاد. إن كان هناك تأثير؛ فهو للسياسة على أخلاق ممارسيها، وهذا تصور تصدقه ممارسات كثير من الساسة، الذين بروجون أن الأخلاق مرتكزا لتعاملاتهم، أو هم يتظاهرون بذلك، فلما فتحت لهم السياسة أبوابها تكالبوا عليها ،فكانت تلك بداية لسياسة لا مكان فيها للأخلاق والقيم، حيث يصبح كل شيء مبررا ومستباحا.
قد يتحجج السياسي فيها بتحقيق مصلحة أو دفع مضرة، لكنها فقط تبريرات تقوم عليها الممارسة السياسية، ليسهل استقطاب كل من يتصور أن الأخلاق والسياسة قد يجتمعان لمصلحة واحدة.
أخطر تعاليم الميكافيلية وأقذرها هو الذي يقول: إذا أردت أن تقود شعبا فضعه في خطر دائما، ويكون هذا الموضوع أشد فتكا وخطرا، عندما تمارسه الحكومة على شعبها..ما يجري في الجنوب العراقي، البصرة والناصرية وما سيليهما من محافظات، إنموذجا لقذارة الممارسة الحكومية، من وضع الشعب في خطر حتى تسهل قيادته..بيد أن القادم مر على الحكومة وعلى الساسة معا، خصوصا إذا فلت حبل الثور..اليست الثورة مرتبطة لغويا بالثور..!
شكرا
24/8/2020