(أول صور الاستعداد الروحي لعاشوراء، هو فتح عين البصيرة؛ لرؤية الحقائق الملكوتية الكربلائية، وجلاء هذه العين الرجوع الكامل للباريء عز وجل، وإزالة غبار الذنوب، وأتربة العيوب، وطين المعاصي، والاستغفار الحقيقي، والتوبة النصوح، فعندما تهب رياح محرم الحرام، يعلم الجميع بأن لا صوت مسموع، إلا صوت سيد الشهداء الحسين (عليه السلام)، ولا صبر إلا صبر العقيلة الحوراء زينب، ولهذا نبقى على قيد الحسين؛ لأنه الحياة بعينه). دماء الشهداء ترسم حدود الوطن، فكيف بكربلاء كعبة الصمود والأحرار، حيث سيد الشهداء وسيد شباب أهل الجنة الإمام الحسين(عليه السلام)، الذي لم يمت عبثاً، وإنما قدم روحه وأهله لأجل الإصلاح، وترك هدفاً سامياً، ولأجله ما زال المجاهدون محافظين على الهدف، حين وضعوا الحسين في بداية الطريق، ووضعوا الإمام الحجة(عج) في آخر الطريق، فيدفعهم الإمام الشهيد من عمق التأريخ، ومن المستقبل يستدعيهم الإمام المهدي، وبمثل هذا الإستحضار والإستدعاء، لا يمكن لمجتمع أن يموت فهو حاضر متجدد. كربلاء منحت الدين الإسلامي بقاء، وثباتاً، وصلابة ؛لأنها قادت عملية التغيير والإصلاح، اللذين تطلبا وجود قائد محنك يقود المعركة، مع عدد كاف من الأنصار، قدّم فيها الإمام الحسين (عليه السلام) أطروحة عالمية، لهذا الإصلاح في أمة جده (صلواته تعالى عليه وعلى آله)، ولذا يقوم أجيال الحسين اليوم بالسير على خطاه، وتوارث القيم التي قاتل واستشهد لأجلها، فوطن ينادي بأعلى صوته:(لبيك يا حسين) مصيره النصر المؤزر. الحسين(عليه السلام) لا يمثل نداء عاطفياً، وإنما هو مسيرة حافلة بالاسرار الدينية والسياسية والإجتماعية الخالدة، لأن واقعة الطف ثورة إنسانية كبرى ضد الظالم، وليست تمرداً أو خروجاً على الحاكم، وستجد أن الحسينيين لا يتركون شعائرهم المقدسة، كونها حاضرة في وجودهم ومجتمعاتهم، ويطالبون دائما بالإصلاح في أوطانهم، فالحسين(عليه السلام) مشعل الإنسانية السمحاء، وحامل راية مشروع السماء، ولا يمكن فصل أحداث عاشوراء عن حاضرنا ومستقلبنا؛ لأنه لاعنوان أشرف من الوفاء للحسين، والذوبان في حب الحسين فوالله ما تركتُكَ.
اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
https://telegram.me/buratha