المقالات

الغراب والسياسة..ملامح وخرائط مصالح...!  


عمار محمد طيب العراقي||

 

تميزت ملامح الفترة المنصرمة من الحياة السياسية العراقية بجملة مظاهر، هي التي صنعت المشهد العام لتلك الحياة؛ وأعطتها طابعها العبثي، فعلى سبيل التذكير؛ يمكن القول أن أبرز تلك الملامح هو عدم إقدام الساسة، على إصلاحات دستورية وسياسية مباشرة، تذهب في اتجاه ربط القرار السياسي بصناديق الاقتراع، وتدفع لاتجاه دمقرطة الدولة، من خلال تحديد السلطة وإعطائها مضمونا حقيقيا للممارسة وخلق التوازن بينها.

ومع أن العملية الأنتخابية هي جوهر الديمقراطية؛ وهي التي ترسم ملامح الساحة السياسية، إلا أنها بقيت مثقلة بأخطاء بنيوية لا يمكن السكوت عنها، ولم يتم الإقدام على إصلاح حقيقي لميكانيزمات العملية الانتخابية، بما يجعلها عملية حقيقية منطلقا ومنتهى، ويعيد الاعتبار والثقة لها ولنتائجها، وهكذا كانت النتيجة نزولا بالمنحنى البياني للمشاركة الإنتخابية نحو الحضيض، الأمر الذي يكاد يلبس المخرجات ثوبا من اللاشرعية.

في الإطار المؤسسي، فإن الاستمرار في خلق المؤسسات خارج آليات السلطتين التنفيذية والتشريعية، ما يمس طبيعة واختصاصات هاتين السلطتين، لكنه يضمن استمرار تحكم الدولة العميقة في القرار وآليات تصريفه بوسائل وآليات تخلقها في كل مرحلة حسب الحاجة.

لعل الملمح الأكثر مساسا بجوهر العدالة؛ هو عدم الإقدام على إصلاح قضائي حقيقي؛ يجعل القضاء سلطة، ويضمن استقلاليته ونزاهته كمدخل أساسي؛ لإصلاح شامل لمنظومة العدالة.

في موضوع التحالفات السياسية فإن المشهد أكثر تعقيدا، إذ أن خلطات سياسية جديدة ستنشأ في الإنتخابات المبكرة القادمة، وأن فرزا واضحا للخنادق سيحدث!

قوى جديدة ستظهر الى العلن، فقد تبين أن التظاهرات المطلبية العادلة، وآلام وجراحات المطالبين بفرص عمل وحياة كريمة، يجري تسييسها وبنهم شديد نحو السلطة من قبل عشاقها الجدد ومن يقف خلفهم، وأن الذين آلت إليهم الأمور في غفلة من الزمن؛ سيطلقون كتلة سياسية تجمعهم، مستثمرين إمساكهم بخيوط السلطة ومنافعها، للوثوب الكامل كممثلين لحقبة سياسية جديدة، عنوانها الولاء الصريح لأمريكا، مشكلين تحالفات براغاماتية  بعض هذه التحالفات ستضم خصوم اليوم...!

من الغريب في سياسة التحالفات أنه ينتج تحالف بين قوى في الصفوف المتقابلة لا في الصفوف المتشاطئة..! بمعنى أن الذين يرفعون حرابهم بوجه بعضهم لغاية الساعة، يمكن أن يكونوا "دهن ودبس" و "كلشي ماكو" و"أحنا حبايب" و" ابوك الله يرحمه"..!.أما ما سببوه من توترات وشد لإعصاب العراقيين وتعطيل للحياة السياسية وما رافق ذلك من إنعكاسات على الصعيد الأمني، فكل ذلك "تحت الفراش"..!

يمكننا القول أن ما سيحدث في الأشهر القادمة، هو عمل قوامه المناورة؛ التي هي فن أكثر تعقيداً في السياسة منه في أي نشاط آخر، وقبل كل ذلك لا بد أن تكون "خريطة المصالح" واضحة في ذهن القوى السياسية المتزاحمة على صوت المواطن.

"خريطة المصالح" مهمة، بنفس درجة أهمية الخرائط في العمل العسكري ـ وربما أكثر أهمية ـ ...ونظراً لتلك الصعوبة؛ سيلجأ الجميع إلى الكثير من الحلول الوسط، التى تحقق أكبر قدر من المصلحة؛ بأقل قدر من المخاطرـ ولهذا ربما لن يتغير المشهد السياسي كثيرا عما هو عليه الآن، فالطبقة السياسية عبارة عن سيدة عجوز "لا تحبل ولا تجيب"، وإذا لم تتدارك نفسها وتخرج من عقلية التابع والمتبوع، والشيخ والمريد، وتفتح الأبواب عاجلا لجيل وثاب من الشباب، ستضيع كغراب البين الذي ضيّع المشيتين.

يحكى أن الغراب كان يسير كما تسير بقية الطيور، بخطى لطيفة. فكان ينقل رجليه الواحدة بعد الأخرى بحركات رشيقة تحسده عليها بقية الطيور؛ وفي ذات يوم بينما كان يسير في المرج، صادف العصفور أمامه؛ فرآه يمشي بقفزات سريعة متوالية رشيقة، فأعجبه ذلك وأحب أن يقلّد العصفور في مشيته؛ فبدأ يقفز في مشيه قفزات سريعة مثل قفزات العصفور، فلم يفلح بالمشي مثله لثقل جسمه وكبر رجليه، ثم حاول ذلك أياما طويلة فلم يقدر على ذلك وخاب أمله، ورأى أن يعود إلى مشيته الأولى، فوجد أنه قد نسيها، وأنّ قدميه قد تعودّتا على القفز، ونسيا المشي بخطوات متوالية، كما كانتا تفعلان آنفا.. فبقي الغراب يمشي مشية لا هي قفزة العصفور، ولا هي مشية الغراب، وإنما صار يقفز قفزات قبيحة مضحكة..فعلم الناس بذلك فضحكوا من فعل الغراب ومن قلة عقله وقالوا فيه {مثل غراب البين..ضيّع المشيتين}..

بعض ألساسة أضاعوا المشيتين، فخسروا الهوية والوطنية..!

شكرا

21/8/2020

ــــــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك