المقالات

الحكم بين الحاكم وصناع الرأي العام

1201 2020-08-17

واثق الجابري||

 

تمثل براعة الحكام، كبراعة المحامين في معرفة كيفية التلاعب بالكلمات، بفن صعب بإستخدام الكلمات نفسها في المجتمع نفسه،وبمعانٍ مختلفة، فهي تستخدم الكلمات نفسها، ولكنها لا تستخدم  اللغة نفسها، وإنها تعبر عن غايتها بالحروف ذاتها، ولكن لأهداف مختلفة قد تكون عكس مع ما تحدث به.

تربط قوة الكلمة بالصورة التي تريدتأثيرها، ويصعب تحديد مرامي معانيهابدقة، مالم تعرف أيديولوجية قائلها، ومنها ما لها القدرة الأكبر من فعل من يعتقد أنه معتنقها، الديموقراطية والمساواة والعدالة وحقوق الإنسان والمتظاهر والمُعارض، وربما يظن بعضهم أنه يسير بنهجها لكنه يحرقها.

تقف الأفعال أحياناً عاجزة أمام الكلمات، التي لا تعبر عن محتواها الحقيقي وتتنحى الدولة عن موقعها أو تنحرف أمام ضغط القوى الحاكمة، وتكون الأفعال مخالفة، منها بشكل طبيعي  كالعادة، أو خارقة للطبيعة، وتصور بأنها تملك قدرات خارقة وبفرق شاسع عن قدراتها الحقيقية.

الحكام لا يقصد بهم ماسكي السلطة فحسب، بل كل العوامل المؤثرة في صناعة الرأي والتأثير على فعل السياسة وبقية جوانب الحياة، وبذا تتحكم بالدولة، وفي أحيان كثيرة تكون الكلمات كقوالب جاهزة مستقلة عن معانيها، ومختلف النتائج من عصر إلى عصر ومن شعب الى آخر، وربما من منطقة دون غيرها في البلد ذاته، رغم استخدام الصياغات التعبيرية ذاتها، وبذلك تصبح كأطار يوضع على شكل مختلف يختلف عنه بالوظيفة أو يناقضه.

عندما لا تثير الكلمات معانيها فإنها لا توحي بمعاني حروفها، وتتحول إلى أصوات فارغة تعفي مستخدمها من ضرورة التفكير، كمن يبحث عن النجاح دون جهد، بل يبحث عن أعلى الدرجات على حساب المجتهدين.

تتغير الكلمات عبر القرون والعصور دون توقف، ولكنها لا تعطي التأثير نفسه عند تحريك اجزائها الميتة، وتتحول الكلمات وكأنها مترجمة أن نقلت من غير زمانها وأوانها، ولا يمكنها أن تملأ ما يُراد من معناها، ورغم عموميتها، فإنها كالكلمات الشعبية التي دَرَسَ أستخدامها، ولا تعطي عمق ما نطق به في زمانها، كنقل شاعر شاب لمفردة وضعها بين أسطره من مفردات عريان السيد خلف، فالكلمات نفسها والمعنى لا يفهم لكون الأدوات مختلفة والمحاكم غيره.

لم يعد الحاكم يمثل من يمسك السلطة فحسب، والحرية لا تشبه ما نفهمه اليوم، ونطاقها كان يتعلق بالتخلص من العبودية، ولم يطرأ ببال أحد هناك أنها حرية التفكير، وفي أطراف المدن يتعاطى معها ليس كما في مركزها، وعند الفقراء ليس كما عند الأغنياء، وحملة الشهادات والنخب ليس كما عند البسطاء، ومن أختلط بثقافات ليس كما البدائي، وبذلك لعبت عدة عوامل بصناعة الرأي العام أو تأثرت به، وضغطت على السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، ومنها من غير مساراتها وفق ضغوط الرأي العام.

إن الحاكم يتبع صانع الرأي والرأي يتبع الحاكم، والسلطة تتبع الرأي العام  والمحاكم، فإما أن تصنع رأياً إيجابياً أو سلبياً، والجماهير تتأثر أو تؤثر بمدى قناعاته العامة، مرة لأنها تتبع آيديولوجيات معينة، ومنها من البيئة والتربية، أو بالرأي الغالب والحشر مع الناس، ومن عوامل خارجية قد  تكون مخالفة لإرادة، وتؤثر فيها الثقافة والحالة الإجتماعية والأقتصادية والعمر، وتأثيرات خارجية وداخلي ونخب منها المضلل والآخر إيجابي، وكل هذه تؤثر أو تتأثر بوسائل التواصل الإجتماعي، لكن هناك أدوات تصنع رأي بحرفية في هذه الوسائل وفي الأغلب سلبياً.

نستنتج أن الحاكم ليس فقط من أمسك السلطة، وإنما توزعت سلطة الحكم بين الشعب والنخب والسادسة ولكل منهم أدوات، ويشعر كل طرف أنه يملك قوة لا تقاوم، وبذلك لا يتردد من إقتراف أيّ فعل بصورة مباشرة أو غيرها، وفي حال هياج المتخلفين، فلا يرددون من الإنفعال والقلب والقبول بالإقتراح وإن كان سلبياً، ويعتقد أن فعله عمل خيري وأن كان على حساب المصالح العامة، كقطع الشوارع وإغلاق المدارس والمؤسسات، بالمقابل يعتقد جمهور السياسة أن نهب الثروات منافسة وفعل خيري لأنهم ينقلوه إلى أماكن يعتق دونها الأحق بالثروة،، وكذلك النخب حين ميلها لمن في السلطة أو لأحزاب وجهات يعتقدون مستقبلها يتصدر مشهد السلطة، أو لمناغمة جزء من المجتمع وإن كان مخالفاً لسياق الدولة ومصلحة شعبها، لذا فإن الجهات الحاكمة متعددة إن لم تضع في أولوياتها مصلحة الدولة وشعبها، فإنها تسعى لمصالحها، سواء كانت شعبية او سياسية، ولا معنى لبراعة الكلمات والشعارات، أن لم تنطلق من أصل قيم وحاجة المجتمع وإذا لم يكن الحاكم هو  محاكماً لنفسه، فلا يصلح أن يكون حاكم

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
فيسبوك