محمود الربيعي||
أؤمن تماما بأهمية الوعي وضرورة الاهتمام به وتدعيمه والنهوض بأركانه وعناصره عبر البحث والتحليل والدراسة والاستبيان والاستطلاع من اجل تحقيق فهم امثل وإدراك اوسع لواقع الحياة التي نعيش تفاصيلها ونتحمل تبعات مشاركتنا فيها سواء على صعيد اعمالنا الدنيوية او رصيدنا الاخروي .
وأنا موقن بأن الايمان الذي تشع به النفوس والشجاعة التي تمتلأ بها الصدور لاجدوى منها ولا أثر لها في تحقيق درجات التكامل الانساني مالم يكتنفها الوعي الحقيقي الذي يؤهل الانسان المؤمن الشجاع لتأدية دوره على أكمل وجه وليكون فاعلا مؤثرا في مسيرة التمهيد للعدل الالهي .
مع هذا اقف احيانا مندهشا ربما لقلة معرفتي او لتشوش ذاكرتي او لضعف بصري حتى اكاد أراني متلفتاً حولي بحثاً عن جوهر الحقيقة التي ننشدها جميعا ونسعى جاهدين في طلبها .
وسأعتمد على ما قدمته لأكتب بإختصار شديد عن تساؤل طالما رافقني وحاولت عبوره دون أن اوفق هذه المرة في ذلك وأنا أقرأ في الكثير من الدراسات والبحوث والمقالات والمداخلات والتعليقات والتصريحات والمنشورات والتغريدات عن موضوع هام وخطير يمكن حصره بكلمات مبتسرة وحصره بين قوسين ( اسباب ابتعاد الناس عن الدين وعزوف المجتمع عن الاسلام ) وفي هذا كتب الكثير وسيكتب الاكثر وهم يصفون حالة متسالم على حدوثها حد البديهة .
ولأني أجتزت الخمسين بخمسة اعوام هذا العام فقد صار بوسعي ان أدعي ان لي ذاكرة تؤرشف وقائع مرت علي في حياتي وبدات أشك فيها كثيرا بسبب كثرة ما أوردته من متسالم المحصور بين قوسين .
فهل ابتعد الناس فعلا عن الدين وهل عزفت الامة حقاً عن اسلامها ؟
سأنطلق في جوابي من نفسي بوصفي ولدت في الضاحية الاكثر شعبياً من العاصمة بغداد وهي الأشد إكتظاظاً بالسكان من بين كل معمورات هذا البلد ( العراق) .
حتى بلغت العاشرة من العمر مع بداية الربع الاخير من القرن العشرين كان معظم مايدور في حينا المزدحم له علاقة بأي شيء الا الدين والاسلام فلم تكون له صورة واضحة باستثناء مراسم عاشوراء التي كانت تتحدث عن اساطير حزينة لم يكن اهلنا يدركون من ابعادها شيئاً فقد كان الدين حكراً على بيوتات العلماء واعدادهم محصورة وتواصلهم مع المجتمع يكاد يكون معدوماً بينما كان اليسار الشيوعي والشقاء البعثي يتمختران في درابين مناطقنا ، واتحدى كل ابناء مدينة (الثورة ) انذاك ان يأتوني بأسماء عشرة شبان من خارج البيوتات الدينية يعرفون التقليد أوالجهاد أوالفقه بشكل عام .
كان من المتعارف ان الصلاة واجب بعد الاربعين وان الجامع للشياب وان واجبنا الذي يحرص عليه الاباء التزام بالذهاب الى المدرسة لان التعليم فتح ابوابه للفقراء في تلك الفترة .
كان الشاب الذي يحمل كتابا غير كتبه المدرسية شيوعيا ، بعد هذا العام وانا مازلت اذكر ذلك جيدا حدثت الانتقالة وجاء الدين الى المدينة وبدات الحركة الاسلامية بالظهور التدريجي الذي تصاعد حتى عام 1980 حين بلغت الخامسة عشر لم يكن بأمكاننا الحديث عن الدين او الذهاب للمسجد او قراءة كتاب ديني لأن هذا يعني الاعدام على ايدي جلاوزة صدام وعاد الدين الذين لم يأخذ سوى نسبة محدودة من الشباب نحو الايمان والوعي والشجاعة عاد لينكفأ من جديد تحت وطأة النار والحديد والخوف والرعب.
( وبإستثناء بعض المجاميع السرية جدا جدا ) وخلال مرحلة الثمانينيات لم يكن في مدينتنا القدرة على اظهار اي تعاطف مع التدين وصارت الصوم والصلاة ومطالعة الكتب الفقهية جهادا وصبرا وتضحية قليل من يقوم بها بعد اعدام معظم المتأثرين بموجة الحركة الاسلامية وتشريد وسجن من بقي منهم حيأ ، ولي أن أتوقف للسؤال ؟ كم نسبة المتدينين في تلك الفترة اقصد خلال الخمسة عشر عام الاولى من الربع الاخير الذي وصلنا فيه الى عام 1990 دون ان اعرج على مراحل الحرب التي شنها الطاغية ضد الجمهورية الاسلامية وتأثيرها الاسود على حياة الناس ودينهم .
وسانتقل مباشرة الى احتلال الكويت وذكرياتنا عن دين العراقيين واقصد السواد الاعظم منهم في تلك الفترة المظلمة .
سنوات الحصار المر بعد القضاء على الانتفاضة الشعبانية التي كانت انتفاضة شعب اعزل ضد سلطة وحشية غاشمة ولم تكن ثورة دينية او اسلامية برغم تصدي المجاهدين لصفوفها الاولى في عدد من المحافظات المذبوحة .
ضعفت الدولة وتمكنت الحركة الاسلامية من معاودة بعض نشاطاتها من جديد وبدأ حراك ديني شعبي واضح اريد ان أضع القاريء أمامه في هذه السطور وأنا اتحدث عن نسبة الدين والمتدينين وهموم الناس ومعاناتهم وانقطاع ( المعارضة الاسلامية المتخمة بالخلافات) عن واقع شعبها لاسباب متعددة ابرزها قسوة الطاغوت وضعف وسائل التواصل وصعوبتها ، وكانت حركة الشهيد الصدر الثاني وحركة مجاميع الولاية وحراك ديني باتجاه المرجعية في النجف الاشرف اوجد نهضة دينية في زمن عسير شهد تجدد حملات الاغتيالات والاعدامات والاعتقالات والذي استمر حتى سقوط الصنم في 2003 .
وهنا يتجدد السؤال ماهو مقدار الدين والتدين في حياة العراقيين من 1975 الى 2003 هل هو واسع منتشر ام هو محدود مقتصر هذا ما حاولت بيانه تاركاً للقاريء اللبيب الاجابة عنه وتقدير الحال بعد هذا التاريخ الى يومنا هذا .
ولاتنسوا معي خذلان الاقربين للمجاهدين في كل حين
وقتال ( الشيعة ) للشيعة في حرب الثمان سنوات .
ادعوكم جميعا للمقارنة بين الدين الان الذي لايمكن مقارنته ابدا بما كنا عليه ، وبعدها لقائل ان يقول هل فعلا ابتعد العراقيون الان عن الاسلام ام ان هذا التوصيف من صنع قادة الحرب الناعمة لايقاع الامة في الاوهام وابعادها عن طريق الامام ( عليه وعليكم السلام ) .
19 ذو الحجة 1441
https://telegram.me/buratha