عمار محمد طيب العراقي||
منذ أمد ليس بقصير، أشتدت عملية شيطنة العمل السياسي عموما، لكن هذه العملية المنظمة والممنهجة، كانت على أشدها إزاء العمل السياسي الشيعي، وكانت في اقصى عنفوانها هنا في العراق، حيث تلعب القوى السياسية الشيعية، دورا بارزا في الحياة السياسية العراقية، فلماذا هذا العمل المحموم، ومن يقف وراءه، والى أي مدى سيستمر، وما هي آفاقه، وكيف يمكن مواجهته وإحباطه؟!
بدءا لابد من القول؛ أنه لا يمكن تصور وجود حياة سياسية، بدون تشكلات سياسية تُمَحِوِر الأفراد حول أهداف تجمعهم، وتلك التجمعات هي الأحزاب والحركات والقوى والتيارات السياسية، حسب شكل الإنتظامات الفردية فيها، وحسب نوعية أهدافها.
لكن الخلاصة أنها جميعا تندرج تحت مفهوم الحزب السياسي، الذي يعني تجمعا لمواطنين، يتقاسمون نفس الأفكار التي تدفعهم لأن يجتمعون، لغرض وضع مشروع سياسي مشترك حيز التنفيذ، للوصول بوسائل ديمقراطية وسلمية، إلى ممارسة السلطات والمسؤوليات في قيادة الشؤون العمومية.
البناءات الديمقراطية تتشكل بأساليب ديمقراطية وسلمية، والتجربة السياسية العراقية ومنذ عام 1968 ولغاية عام 2003، حيث أزيل نظام البعث الدموي، لم تشهد نشاطا سياسيا حقيقيا، فقد كانت بمفردة واحدة فقط، هي حكم الحزب الواحد، الذي تم إختصاره بالمحصلة الى حكم الفرد الواحد، (القائد الضرورة) الذي له القول الفصل ( إذا قال صدام قال العراق).
قبلها ولعشر سنوات منذ 1958، كانت الكلمة الفصل لأصحاب والرتب والنياشين، من العسكر المتعطشين للسلطة، وأبعد من ذلك كان العراقيون تحت حكم نظام ملكي، تم إستيراد رأسه من خارج العراق..أما قبلها فظلام سياسي حالك؛ الى فجر السلالات قبل الميلاد بثلاثة آلاف عام..
التجربة السياسية العراقية الحقيقية بدأت؛ بعد عام 2005 حينما تم إقرار أول دستور عراقي دائم في التاريخ!
لذلك فان العمل على شيطنة الأحزاب السياسية وتخوينها، لا يعني غير ابعاد الناس عنها وبالتالي، جعل السيولة البشرية التي تتأثر ضمن الفضاءات الحزبية؛ غير خاضعة لأي عنصر من عناصر التأطير أو التوجيه، فتخرج بذلك عن دائرة السيطرة، ويمكن بعدها إفلات تلك السيولة، في كل الاتجاهات وفي اللا اتجاه، وهي الوضعية المثلى بالنسبة الى التنظيمات الشمولية، كتنظيم البعث التي تعمل على اخراج الناس من فضاءات الدولة.
لقد استطاعت الأحزاب السياسية والسياسيون؛ تأمين مجال عام حر بصدد التشكل كفضاء ديمقراطي، والحيلولة دون السقوط في المجهول، وما يجعل التشجيع على العمل الحزبي كضرورة لا بد منها؛ هو تشكيل لدولة ديمقراطية، يكون الصراع فيها مبنيا على أسس سلمية، تحسم عبر صناديق الاقتراع,
هذا المنطق لا يروق أبدا للقوى اللاديموقراطية، والتي تتشاطأ القوى الإرهابية معها في كراهية الديمقراطية؛ فيتشكل تحالف لا شريف بين هذا النسيج اللا متجانس، وينضم له قاع المجتمع، ليحصل بالنتيجة ما حصل في العراق منذ أواخر 2017، والهدف النهائي إسقاط التجربة السياسية، عبر تسقيط الأحزاب والقوى السياسية، والشيعية منها اولا، على أعتبار انها تعمل في المكون البشري الأكبر..
هدف إسقاط الساسة الشيعة، والأحزاب الشيعية، يشكل مقدمة خبيثة، لمشروع إسقاط العراق برمته بين فكوك الفوضى، توطئة لعودة البعث، كأداة مقبولة أمريكيا، نظرا للتاريخ الموثوق به معهم، إبتداءا من مجيء البعث عام 1963 بقطار أمريكي، كما صرح بذلك علي صالح السعدي أمين سر قيادة البعث آنذاك، مرورا بتنصيب صدام كعميل أمريكي مكشوف ألبسوه ثياب الوطنية المهلهلة، فخاض بسبب ذلك عدة حروب، خرج منها العراق بلا حول أو قوة، لكن لم ينضبط جيدا وفق الإيقاع الأمريكي عندما غزى الكويت، فأُخرج في 2003 من البيت الأمريكي، لتجد امريكا نفسها في ورطة أن العراقيين يريدون نظام حكم ديمقراطي حقيقي، ترسم صورته صناديق الإقتراع، وليس حكما تابعا لأمريكا..
أمريكا المتورطة لم تجد بداً من العمل السريع على العودة الى المربع الأول..وهكذا جرى الذي جرى!
ما دمنا قد عرفنا ملامح ساحة الصراع، فإن من الممكن إعادة ضبط المشهد برمته، وفقا لإعدادات المصنع!
المصنع هو الدستور الذي أقره العراقيين في 2005 رغم أنف الإحتلال الأمريكي،، حيث لا مكان لإجندات الفوضى، إو لرواد الإنقلابات، أو للساعين الى السلطة بوسائل تتجاوز صناديق الإقتراع..
الفوضويون سيرحلون، فلا مكان لهم بين عشاق الحرية والسلم الأهلي، وستركلهم أقدام الذاهبين قريبا زرافات ووحدانا، الى صناديق الإقتراع التي سيحميها شعبنا بدمه، من التزوير والإنتهاك والتدخل الخارجي..صناديق الإقتراع هذه المرة ستكون مقدسة مثل أثداء أمهاتنا..!
شكرا
7/8/2020