سعود الساعدي||
الكاتب ليس موظفا أو صاحب مهنة كأي مهنة بل هو صاحب دور ورسالة ومبدأ، ويفترض أن يكون قلبا وعقلا وضميرا لمجتمعه في كل ما يواجهه ويعيشه، وفق معيار اخلاقي قيمي بخلاف السائد والمحنط والمشوه من الأفكار والعادات والمواقف.
لا يقتصر ما تقدم على القضايا العامة وإنما حتى على التجارب الشخصية وخاصة المريرة كالإصابة بكورونا، وهذا مما شجعني على مواجهة الفايروس وهزيمته وتحويل قصة الانتصار إلى رسالة ودرس وعبرة وحافز للمرضى ولكل من يتهدده الفايروس.
أنهى الطبيب المختص اليوم اجراءات العزل المنزلي وأكد لي أنني انتصرت على كورونا.
سعيد لان الله اعانني ونصرني على كورونا وحزين لأن هناك من يعيش الآلام لإصابته وهناك من سيصاب من الناس وانا الذي كنت أدعو منذ أيام كورونا الأولى بالشفاء للأبرياء والمستضعفين المصابين في ايطاليا واسبانيا وكل مكان فتك به الوباء فكيف لأهلي وناسي.
الإصابة بكورونا فرصة مناسبة لاختبار قدرتك على مواجهة الموت وهو أمر وارد بقوة مع هذا الوباء المميت حتى لو كنت بمناعة جيدة فكيف إذا كنت مصابا بالسكري وتعرف من يصغرك بعشر سنوات وأكثر وهو بأتم العافية وقد طرحه الفايروس في المستشفى!.
نسبة الاختناق كانت ترتفع ليلا وما زاد الطين بله وفي ذروة الإصابة تضرب البلد موجة حر شديدة تجاوزت فيها الحرارة نصف درجة الغليان صاحبها ساعات انقطاع طويلة للكهرباء! ما يجعلك "تجود" بنفسك طوال الليل.
تداخلت الأفكار بالهواجس والأماني بالمخاوف واختلطت الفصول والأمكنة ولا أدري هل احن الى الماضي ام أقلق من الحاضر ام أطمئن إلى المستقبل.
ايام الإصابة كانت من عالم آخر، لا هي من الدنيا ولا هي من الآخرة، فعالم الغيب كان حاضرا بكل هواجسه وتصوراته والغريب أنني طوال الأشهر الماضية وخصوصا بعد وفاة الوالد رحمه الله كنت مهتما بالإحاطة بأكبر قدر من المعلومات عن عالم ما بعد الدنيا، العالم المثير والخطير ، ما وضع أمامي اسئلة كثيرة، هل سينتهي وهم الدنيا الخاطف والطويل فعلا؟ هل سأخرج من فخ الدنيا الذي سلب الكثيرين فطرتهم وضمائرهم وآدميتهم! هل حان وقت الحياة في ذلك العالم الرهيب؟ هل سألتقي بوالدي الحبيب الذي مازلت ابكيه كل يوم واتمنى لو انني لم أضيع يوما معه دون أن أشمه وأقبل يديه وقدميه، هل سأتشرف بلقاء النبي ص وأئمة اهل البيت عليهم السلام الذين طالما سعيت للعيش معهم.. يا الله..
الموت حق وهو أمر متوقع في اي لحظة لكن المؤلم أنك قد تموت على فراش المرض بعكس ما تتمنى وخاصة بكورونا.
لا ادري عما اكتب واتحدث؟ عن ولادتي الجديدة؟ ام عن موتي العابر؟ ام عن الحالة البرزخية التي عشتها ما بين الموت والحياة؟
التسليم لله ولحكمه والتوكل عليه في الأخذ بالأسباب الطبيعية للعلاج ومواجهة الفايروس بعناد عوامل ثلاثة رفعت حالة الاطمئنان العام طوال الوقت وخلقت حالة من الهدوء والصفاء النفسي ما فتح آفاقا تآملية هائلة ليحلق الخيال بعيدا في أجواء هذا الكون الفسيح.
عزلة جسدية أنتجت عزلة روحية ونفسية وأحدثت امتزاجا معرفيا وتخيليا وتواصلا تأمليا.
كان كورونا بعبعا مخيفا قبل الإصابة بفعل حالة التهويل الإعلامي والتضخيم لأسباب عديدة وكأنك تخوض حربا نفسية ضد عدو مجهول لكن سحب البساط من تحت قدميه والتعاطي معه بهدوء واطمئنان تام يصل إلى حد الاستهانة بقدرته على النيل منك هو أمر هين عندما تفرغ هذا التهويل والتضخيم من محتواه وعندما تؤمن بقدرتك على التصدي للفايروس بالأخذ بالأسباب الطبيعية للعلاج بعد التوكل على الله.
لقد عرفني كورونا على اصدقاء وأحبة جدد وكشف عن نفوس كبيرة كانت تتواصل يوميا ومستعدة لتقديم اي مساعدة في أي وقت من الأوقات وما عليك إلا أن تطلب.
كل الود والشكر لكل من سأل واتصل وعلق وراسل متمنيا الشفاء وشكرا لكل من دعا بظهر الغيب جنبنا الله واياكم كل سوء ومكروه.
https://telegram.me/buratha