حسن عبد الهادي العكيلي||
لماذا لايتجاوز المسلمين بصورة عامة والعرب بصورة خاصة عقدة التاريخ والرضوخ لحقائقه التي يتم تشريحها بمبضع العلم والاستدلال والمنطق؟ وماهي حدود المقدس عندنا ومن جعله مقدساً اصلاً ؟ ومن المستفيد من الاتكاء على النص المزور والقداسة الوهمية ؟
مرة اخرى وكالعادة نفس الوجوه ,نفس الاصوات ونفس القنوات تتباكى وتكثر من الضجيج الاعلامي تشويشاً للجماهير وأمعاناً بتقطيع اوصال الحقائق وتسطيحاً للعقول اكثر واكثر. في حادثة ليست ببعيدة عنا في حسابات الزمن او التكرار اورد احد الاعلاميين في سياق حديثه مثلاً عن عثمان بن عفان كحالة من الاستدلال على مسار كلامه وتعزيز وجهة نظره الخاصة به هو وحده.
وما لفت نظري ان هذا الشخص المتحدث لم يسب ولم يأمر بقتل عثمان !! ولم يدعو الى هدم قبره او حذف اسمه من القائمة المعده اموياً والمعنونة بأسم ( العشرة المبشرة بالجنة)!!! فكان نصيبه السب والتشهير وايقاف برنامجه لانه قرأ حرفاً واحداً من التاريخ بصوت عال , والسؤال هو ماذا نفعل مع مصادر التأريخ التي تكلمت بتفاصيل اكثر بكثير من كلام هذا الاعلامي !
مثلاً كيف سنحاسب ابن عساكر في ترجمة الامام الحسين ص 197 حين قال {... وكان طلحة والزبير في طليعة المهاجمين على عثمان الذين حصروه وقطعوا عليه الماء وكانت عقيرة عائشة مرتفعة بقولها : إقتلوا نعثلاً فقد كفر} وفي الرازي المحصول الجزء 4 ص 343 {أن عثمان اخر عن عائشة بعض ارزاقها فغضبت! ثم قالت ياعثمان أكلت امانتك وضيعت الرعية وسلطت عليهم الاشرار من اهل بيتك والله لولا الصلوات الخمس لمشى اليك اقوام ذوو بصائر يذبحونك!!! كما يذبح الجمل . فقال عثمان (ضرب الله مثلاً للذين كفروا إمرأة نوح وإمرأة لوط...الاية) فكانت عائشة تحرض عليه جهدها وطاقتها وتقول ايها الناس هذا قميص رسول الله لم يبل وقد بليت سنته إقتلوا نعثلاً فقد كفر.ثم ان عائشة ذهبت الى مكة فلما قضت حجها وقربت من المدينة أُ’خبرت بقتل عثمان فقالت ثم ماذا؟؟ فقالوا بايع الناس علي بن ابي طالب فقالت عائشة قتل عثمان مظلوماً والله!!! وانا طالبة بدمه والله ليوم من عثمان خير من علي بن ابي طالب الدهر كله!
فقال عبيد بن ام كلاب : ولم تقولين ذلك فوالله ما اظن ان بين السماء والارض احدا في هذا اليوم اكرم على الله من علي بن ابي طاالب فلم تكرهين ولايته؟ الم تكوني تحرضين الناس على قتل عثمان فقلت اقتلوا نعثلاً فقد كفر فقالت عائشة لقد ذلك ثم رجعت عنه وذلك انكم اسلمتموه حتى اذا جعلتموه في القبضة قتلتموه والله لاطلبن بدمه .فقال عبيد بن ام كلاب هذا والله تخليط ياام المؤمنين!!} كل هذا وغيره لم يقله اعلامي او شخص ما او برنامج هنا او هناك بل التاريخ هو من قاله وتواتره .
فيقول بن ابي الحديد في شرح النهج جزء 20 ص 22 عن عائشة انها قالت أشهد ان عثمان جيفة على الصراط غداً . فمن الناس من يقول انها روت بهذا خبراً . وفي جزء 6 ص 215 لما بلغها قتل عثمان قالت عائشة ابعده الله ذلك بما قدمت يداه.!!.
وهذا مجرد مرور اقل من بسيط بين اسطر التأريخ المدون ثم ماذا هل سيكون الحل في تكميم الافواه ام مواجهة الحقائق والعبور من مفخخات التأريخ التي انهكت الامة وتدفع بها الى التلاشي الحضاري في حين ممكن جدا ان تكون اعادة وفهم ونقد التاريخ (المقدس/ الزائف) فرصة للألتحاق بركب الحياة المثمرة
إدخال التأريخ في خانة المقدس من اخطر وأشد ما تعاني منه الامتين العربية والاسلامية . اذ وببساطة شديدة لاتقبل أي رواية تاريخية خارجة عن حدود أطار التحالف الجهنمي المرعب بين السلطة السياسية ورجال الدين منذ تولي معاوية بن ابي سفيان الحكم . واستطاع هذا التحالف الماسك بالفأس من قطع رؤوس مهمة وبارزه معارضه لمشروعه الابليسي كان الحسين بن رسول الله واصحابه ابرزها ومن اكثرها خطراً عليه.
و بقراءة بسيطة وفي نفس كتب التاريخ نكتشف ان الامر كان اشبه مايكون بحرب المفاهيم !! وان هذا التحالف اسس لمصطلاحات ستشكل لاحقاً دوائر القرب والبعد منه ووسائل مهمة لتعليب العقول طائفياً على امتداد الزمن. وهنا انا مطالب بمثل لتقريب الصورة وسأشير بأختصار شديد الى :
(الجاهلية) وهو مصطلح خطير انسحب في معناه الاصطلاحي فغطى كل فترة ما قبل ظهور الدين الاسلامي وصور تلك الفترة بأنها عتمة مطلقة وفراغ صحراوي باهت لا حياة فيه ولا تفاصيل وساهمت المخيلة التأريخية التقليدية كما يذهب احد المختصين وعبر تراكم ممنهج بتصوير شخصياتها كمخلوقات متوحشة شريرة لا قوانين تنظم علاقاتها ولا اخلاقيات مدنية تضبط ايقاع حياتها. الجاهلية هي خطؤنا التاريخي الاكبر الذي مهد وذلل الارض لقبول مصطلح اكثر خطــــــــــــورة وتهديد للحياة وهو( القداسة)...قداسة جيل وعصر بأكمله!!!
لايمكن للعقل ان يتحرك صوب نقد وتحليل الاحداث في ظل قداسة التأريخ إدخال حقبة زمنية كاملة بكل تفاصيلها الحياتية بيع شراء ربح خسارة اكل شرب ممارسة الجنس التكاثر بالاموال والاولاد التحاسد والغيرة التقاتل القتل الحب الكره وفاء خيانة نظافة قذارة غنى فقر الخ تحت عنوان (العدالة والقداسة) يبدو أنه اقرب الى الاهانة.
مثلاً ( الذين جاؤو بالافك) لم يكونوا من خارج هذا المجتمع وليسوا من الجن . بل (عصبة منكم) ..منكم كلمة قرآنية تطالبنا بأحترام عقولنا. وتمزيق رداء القداسة الوهمية لأفراد قد يكون انت او هو أثقل موازيناً عند الله منهم .
https://telegram.me/buratha