واثق الجابري ||
. تتغنى الشعوب في أيام المعارك بمقاتليها، الذين يذودون بأنفسهم عن مصير وطنهم، حتى يرجو أحدهم التقرب لأحدهم والتقاط صورة معه كي يروي لأحفاده كيف عاش في وطن يرافق فيه الأبطال، ومنهم من اشترى شبه ملابسهم حتى لأطفاله، وترفع صور هؤلاء الابطال على ساريات الأعلام وترافق الأناشيد الوطنية، وهم بهذا الوقت تعبير لمفهوم الوحدة الوطنية والرمزية ومحل تفاخر لشعبهم بين شعوب الكرة الأرضية.
يعبر الأبطال عن أصل معدن الشعوب، ويكشفون عن التضحية والعمل التطوعي والجماعي، وقدرة الأمة على الأنجاب الحَسِنْ، وتتلاشى عند المعاملات الشخصنة والأنا والمصالح الفردية، وفي المعارك يتقدم الشباب صفوف الأمة، وصنعت الحركات الشبابية معظم نضالات الأمم، ومن نادرها أن يشترك الشيوخ والنساء والأطفال، فما بالك في شعب بالأمس القريب، كانت الشيبة تسابق الشباب، والنساء يزففنَ أبناءهنْ إلى سوح الوغى، وحتى الرضيع تلبسه أمه ملابس القوات الأمنية والحشد الشعبي، كي يتربى على قيم التضحية، ولم تقتصر التضحية في حينها على الفقراء ومن الذين لا يملكون مسكناً في هذا الوطن، بل حتى شرفاء الاغنياء ساهموا بكل أموالهم لدعم المعركة، وتعلمت الأجيال قيمة الوطن وأسوأ ه المبنى بالماء.
بالأمس القريب تسابق العراقيون حشداً، شيباً وشباناً، نساءً وأطفالا، واليوم في معركة الجيش الأبيض التي لا تقل شراسة من محاربة الأرهاب، ومثلما صنعت تلك أبطالاً، فلهذه المعركة أبطال وضحايا، ومنهم كأولئك لا يملكون قطعة أرض في وطنهم.ورغم تشابه المعركتين بأختلاف الظروف والأدوات، وفي كلاهما عدو لا يفرق بين كبير صغير، رجل أو امرأة، إلا أن الطرفين قدموا التضحيات دون النظر الى المكاسب الشخصية، وتعرض أيضاً لمن يكتب عنهم من الداخل، ومازالت شاخصة تلك التضحيات وعوائل الأيتام، التي لا تملك شبراً في بلد 80٪ من أراضيه مملكوكة للدولة، ويباع القبر على الشهداء.
عندما تنتهي المعارك، يختلف الرفقاء والفقراء على تقسيم المغانم، ولا يحصل أولئك الذين تقدموا الصفوف حتى على أقل من حصتهم، بل يأتي من كان يتمنى هزيمتهم، بأن ينال من تضحياتهم، ويلصق شتى الاتهامات ويلفق الأقاويل، بل شهدنا هناك من أنكر تضحياتهم، والأدهى حرق صورهم ومقراتهم، بدل أن يحمل كل عراقي تضحياتهم، وان كانوا هم قد نذروا أنفسهم للتضحية والشهادة في سبيل وطنهم، فمن العدل أن تنصف عوائلهم، قبل أن يأتي من لا يختلف عن الأرهابي بحقده عليهم ويحرق صورهم، التي بمجملها خطوط من الدماء لخارطة الوطن.
إن مجابهة وباء كورونا، لا يقل أهمية من مجابهة الإرهاب، وهنا جنود من الجيش الأبيض، قدموا جل التضحيات في سبيل وطنهم، وفي قوانين الحكومات العراقية، فإن وزارة الصحة هي من بين أقل الوزارات رواتبَ وتمتعاً بالإمتيازات، على أساس نظام بُنِيَ، ليعطي للوزارات الأكثر ايراداً حوافز ومخصصات، فيما يغيب ذلك عن الوزارات التي تقدم الخدمة، وتتعلق بحياة الإنسان، التي لولاها لا يستطيع أن يكون متعلما ومنتجا وينزف جزءاً كبيراً من آماله لمعالجة الأمراض والعلل.
أكرموا الجيش الأبيض، فغداً ستنتهي المعركة ويخرجون منها منتصرين، وغداً سيتسابق المتملقون والمستلقون وسراق النجاح لتقاسم الغنائم، أكرموهم قبل أن يجف عرقهم وتنتهي معركتهم، أعطوهم ما قرره مجلس الوزراء من قطع أراضٍ ومكافئة مقطوعة، شجعوهم على النجاح، وأحملوا صورهم على صدوركم، فهناك من يتربص غداً ويحرق صورهم، وهم الآن يقدمون صوراً من التضحية لا مثيل لها في العالم.
https://telegram.me/buratha