عمار محمد طيب العراقي ||
يبدو أن قصة التظاهرات والأحتجاجات، أنتهى أو سينتهي قريبا جدا آخر فصولها، فها هي الخيم تحرق واحدة تلو أخرى، وها هي الساحات تفرغ من "معتاديها" و"معتاداتها"..جملة إعتراضية: إسألوا أهل الأهواز عن معنى كلمة "معتاد"..!
لم يعد براق "ثورة تشرين" "التكتك"؛ يشاهد في ساحة التحرير..كل شيء إنتهى إبتداءا من التحرير في بغداد، وإنتهاءا بساحة المحافظة في البصرة، مرورا بساحة التربية في كربلاء، حتى قلب "الثورة" النابض في ساحة الحبوبي في الناصرية، تباطأ نبضه الى حد الموت، فما الذي حصل؛ وهل تحققت الآمال التي قتل من أجلها أكثر من 700 متظاهر؛ وفقا لإحصاءات المجاهدين أبناء قبيلة الجواكرة إخوة ماري؟!
المطعم التركي، ذلك المبنى الشاهق على دجلة من جانبها الشرقي، وجد فجأة نفسه بلا رواد، وأنتهت قصص الحب والغرام والليالي الحمراء، التي كانت ترعاها "هيلا" الألمانية، بعدما تحولت هذه الألمانية الفاتنة، الى "شهرزاد" التي ترقص لشهريار المطعم التركي.. رحلت "هيلا" الى بلادها، عبر كوردستان ثم إسرائيل، وبعدها الى برلين، بطائرة خاصة "جارتر"، وبطريقة ممسرحة لم يحكم نهايتها المخرج ..
لم تفكك الخيم، بل أُحرقت، لأن مالكيها الأصليين أو داعميها الثانويين، يريدون أن يقطعوا أثرها بعد عين، فقد إنتهت المهمة، وكعادة اللصوص المحترفين في قصص أجاثا كريستي البوليسية، فإنهم ينفذون جرائمهم ويرحلون من ساحة الجريمة، لكن بعد أن يمحون أي آثار تدل على انهم كانوا هناك..
رحلوا ليتركوا بقية الحرمان والسغب؛ تغني مواويل الخيبة والخذلان والخسران.. "مكَيَّر" شاعر الناصرية الكبير زامل سعيد فتاح:
مشيت وياه للمگير اودعنه..مشيت وكل كتر مني انهدم بالحسرة والونة ..
أو على الرملة..بضوه الكَمرة..يناشدني وانشدنه..اكله تروح؟وگليبي..بعد بيمن اهيدنه..!
فيجيبهم الذين طواهم الثرى مخدوعين بأمل جديد: ولك يا ريل لا تبعد..ولك ولفي واريدنه..وجزاني يجر فراگينه..ومامش حيل اردنه..واظل ارفس رفيس الطير..ادين زغار الزمنه!
بقي المظلومون يرفسون رفس الطير، على أمل مذبوح عند بوابات المنطقة الخضراء، التي دخلها أبواق ثورة تشرين فاتحين، ثم أوصدوا البيبان خلفهم، ليتركوا المساكين يواجهون مصيرهم، بعدما وصفتهم الممثلة الأممية في بغداد السيدة جينين بلاسخارت، في إيجازها لمجلس ألأمن، بأنهم بقية عصابات تنفذ أجندات سياسيه مشبوهة، ولتعلن وقوفها الحازم الى جانب الذين دخلوا الخضراء وأقفلوا ابوابها عليهم ، ورموا المفاتيح في دجلة!
الناطق بأسم وزارة الداخلية العراقية، تناغم مع المخطط بشكل تراتبي، كأنه ولد مطيع، فقال أن الذين هاجموا المتظاهرين مؤخرا، هم عصابات من داخل المتظاهرين..وأخيرا أعترفت الأمم المتحدة أن هناك مندسين، وأن الطرف الثالث كان مشخصا من زمان، ولكنه كان مسكوتا عنه، لصالح سادة الخضراء الجدد..!
جبل أحد لم تعد أفياءه ملهمةَ؛ لحكايات لم تكن كباقي الحكايات، وها هي الالات الضخمة تقف على حوافه، لتفتح الطرق والجسور، وخالد بن الوليد لن يجد خلف الجبل مخبأ، فقد سبق السيف العذل، وانتهت المهمة وانسحب المخططون البارعون...ولكن الصائعين الدائحين لن يجدوا بعد اليوم كسرة خبز في الطابق الثالث، ولم يعد لسماسرة وسمسارات المال وجود، أختفوا وأختفت معهم ملايين الدولارات..هني ومري..
لقد أُنجزت المهمة بدقة عالية، وإحترافية مثيرة، صحيح كانت هنالك خسائر، سبعمائة قتيل، لا شيء، فالنتيجة تستحق هذا الثمن الباهض..الخضراء يسيل لها اللعاب، فمفاتيح البنك المركزي وسومو بيدها، وطز بـ"إبن ثنوة"!
القلة القليلة التي بقيت في ساحات التظاهر، يتعين سحقها، فهي أبن عاق لم يحتفل مع المحتفلين، لحظة دخول فرسان الحرية الى المنطقة الخضراء، وممنوع بعد اليوم التحدث عن سوء الخدمات وعن الكهرباء وعن الدين أيضا! وعليك ايها الولد العاق أن تكون مؤدبا، وتحمل مكنستك لتزيح الأذى عن طريق المؤمنين..!
أحمل ايضا مجرفتك؛ وساوي حافات الحدائق في الطرق المؤدية الى الخضراء، وعلى الرغم من أنك تحمل شهادة عليا..اكنس ايها المغفل، فبعد قليل ستمر مواكب الداخلين الى الخضراء، وإياك أن تقول أنك تحمل الماجستير او الدكتوراه، فهذا يزعج مُلاك الخضراء الجدد، الذين يؤمنون بأن الحُكم لا يحتاج الى رجال يحملون شهادات من أي نوع..يكفي أنهم يعرفون القراءة والكتابة، وإن كان ذلك بصعوبة..المهم أن الفكرة تصل..!
وصلت الفكرة مو؟!
شكرا
29/7/2020
ـــــــــــــــــ