من بديهيات التعامل مع السياسة الأمريكية، والخارجية منها تحديداً، توفر القناعة بأن مراکز صنع القرار في الولايات المتحدة، وليس الرئيس فقط، هي التي تحدد المؤشرات الإستراتيجية والمرحلية، وتترك للرئيس وحاشيته من الأجهزة التنفيذية مهمة الخوض في التفاصيل . لذلك .. يخطىء كل من يتوهم أن السياسات الأمريكية ترتبط باسم الرئيس، وبما يوحي أن الرئيس هو الذي يتخذ القرارات الصعبة والحاسمة .. وهذا القول لايعني ولا يجوز أن يعني، ان السمة الشخصية للرئيس لا يكون لها أثر خاص على القرارات .. ولذلك فان المراحل التاريخية الحديثة للولايات المتحدة أرتبطت في الأذهان، وفي وسائل الإعلام بأسماء الرؤساء دون أن يكون لهذا الإرتباط مبرر موضوعي دقیق . فالولايات المتحدة، دولة مصالح خارجية .. هكذا يكون منطلق سياساتها العالمية .. وهذه المصالح تحددها دوائر عملاقة في نفوذها الإقتصادي، تحديداً كشركات التأمين الكبرى، والشركات الصناعية الإنتاجية، والشركات التجارية، إستيراد وتصدير، وشركات صنع الأسلحة والأليكترونيات، وكبريات المصارف وشركات المحاماة، والتي جميعها مرتبط بصورة ما باللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة ، هؤلاء هم الذين يؤثرون فعلياً في إتجاهات السياسة الخارجية الأمريكية ومفاصلها الإستراتيجية، تاركين للرئيس لمساته الشخصية المميزة . ونتيجة لعدم وضوح الرؤية لدى بعض وسائل الإعلام العربية والعالمية ... وفي أحيان اخرى، نتيجة لتعامل هذه الوسائل مع مايرافق عملية الإنتخابات الأمريكية، من إثارة مصطنعة تُصرف عليها ملايين الدولارات، يقع المواطن في حلبة متابعة الإنتخابات، كما لو كانت هذه الإنتخابات تعنيه مباشرة ... ويصل البعض الآخر حد المراهنة، على إنتخابات السياسات الأمريكية الخارجية، في حالة فوز هذا المرشح أو ذاك، لتبدو الأمور كما لو أنها اصبحت كلها أسيرة هذه اللعبة وبإنتظار ولادتها العسيرة ... والواقع أن الذين يقعون ضحية هذا الوهم يكتشفون في كل مرة ( كل اربع سنوات ) ، أنهم كانوا يلاحقون سراباً ... وأنه كان عليهم أن يسيروا قدمأ بمشاريعهم الوطنية، دون الإلتفات إلى ما تثيره لعبة الإنتخابات الأمريكية، من غبار يراد له أن يغلق العيون ... - دعونا على سبيل المثال لا الحصر، نؤشر متغیراً استراتيجياً واحداً، في السياسات الأمريكية تجاه القضايا العربية على مدى خمسين عاماً مضت ... لن نجد ! - دعونا نبحث عن هذا المتغير عالميا .. سنجد ان التعامل المبني على المراوغة وأسلوب المؤمرات العلنية، التي تعامل بها الرئيس ترامب مع الصين لتقويض اقتصادها الصاعد، جاء ليتوج مراحل متلاحقة من الاعمال الخفية، للدوائر الأمريكية رغم تبدل أسماء الرؤساء . كثيرة هي الأسئلة ... وواضحة هي الإجابات ، ولذلك فان التجديد لدونالد ترامب، او المجيء ببايدن رئيسا جديداً ، لن يحدث أي متغیر مهم او أساسي في السياسات الأمريكية، التي لا تتأثر جدياً ، الا بمقدرة الشعوب على تحديها والتصدي لها، والثبات على ما تجاهد من أجله هذه الشعوب من قيم وأهداف ومباديء، لذا ، فأياً كان الفائز في إنتخابات الرئاسة الامريكية في نوفمبر القادم، فهو بالنهاية رئيس لدولة الشيطان الأكبر....
اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
https://telegram.me/buratha