د علي الطويل ||
يكثر الحديث في هذه الايام حول العلاقة مع العمق العربي للعراق وضرورة ايجاد منظومة روابط متميزة وجديدة تعيد العراق الى سابق عهده في علاقاته مع المحيط العربي ، وقد ازداد هذا الحديث بشكل ملحوظ مع تسلم السيد الكاظمي مقاليد رئاسة الوزراء بعد استقالة السيد عادل عبد المهدي ، ولو تفحصنا الواقع القريب فاننا نجد ان اكثر رؤساء الوزارات العراقية منذ ٢٠٠٣ والى اليوم قد كانت السعودية من اولى المحاطات في زياراتهم الخارجية وارسالهم للوفود العراقية لزيارة المملكة ، وان اكثرهم عقد اتفاقيات وحصل على وعود بالدعم والمساعدة ، وابرموا العقود وفتحوا الافاق وملئوا الاعلام بتصريحاتهم حول المستقبل الواعد لهذه العلاقات وماسوف تحققه نتائجها على ارض الواقع ، ولكن كل هذا التاريخ الطويل من السعي العراقي لتحقيق علاقة طبيعية متوازنة ونافعة تعود بالخير للطرفين قد بائت بالفشل الذريع ، ورغم الحملات الاعلامية الكبرى للمحور الامريكي والاسرائيلي لمحاولة تحسين صورة الحكم بكل السبل ، كما ان الماكنة الاعلامية السعودية كانت مكملة للدور الامريكي في هذا المحال فقلبت الحقائق باتجاه جعل مملكة ال سعود كمصدر للخير للعراق ، ولكن الواقع يشير ان كل ذلك مجرد شعارات خداعة ومظللة ، وكل الاتفاقيات ماهي الا حبر على ورق والواقع يحكي غير مايبديه الاعلام في المحور الامريكي تماما .
وفي الواقع العلاقات العراقية السعودية والعلاقات العربية السعودية بشكل عام ، مرهونة بعوامل متعددة بعيدة عن طبيعة مايجب ان تكون عليه العلاقات بين الدول ، وخاصة تلك التي ترتبط بعوامل مشتركة منها الجوار والاخوة والدين .
ومن هذه العوامل :
1.عقدة النقص التاريخية والدونية التي يعيشها حكام ال سعود والناشئة من طبيعتهم البدوية القائمة على الغلبة عبر الغزو والمكر لاستحصال الغنائم وليس الطرق السياسية المتحضرة الواضحة التي يعرف كل طرف حدوده مع الاخرين ، وتاريخهم الخالي من الجذور جعل عقدة النقص تلازمهم طول فترة حكمهم للملكة .
2. هذه الدونية جعلتهم يتشبثون بالاقوياء لاخضاع اعدائهم حتى لو كلف ذلك ثروات بلادهم وفقدانهم للكرامة .
3.الطبيعة الطائفية لال سعود وتشبثهم بالفكر الوهابي ، الذي يشكل الحقد والانتقام احدى اهم ركائزه البنيوية
4. وكنتيجة للعوامل اعلاه مجتمعة اصبح النظام السعودي يعيش حالة القلق ، وتعتريه الهواجس المرعبة تجاه كل دولة تملك مقومات الحضارة والنهوض وتسير في طريق الديمقراطية .
5. جرتهم التبعية المذلة التي صنعوها بانفسهم الى ان يصبحوا اداة للمشاريع الصهيونية التي ترعاها وتتبناها امريكا ومحورها الاساس هو توفير الحماية لدويلة اسرائيل وبالتالي فانهم مجبورين لمسايرة الخطط والاهداف الاسرائيلية والامريكية .
لذلك تجد ان العداء السعودي لليمن والعراق وسوريا تحكمه هذه المنظومة من العقد والعوامل ، وامر العلاقات السعودية العراقية يخضع لكل تلك اعوامل بالتاكيد وهو مثال واضح ناصع لذلك ، فامر العلاقة مع العراق غير متعلق بطبيعة الحكم ولا شكل الحاكم ، او الطبيعة الدينية والسياسية لنظام الحكم في العراق حسب ، والشواهد التاريخية تثبت ان موقف ال سعود من العراق محكوم بطبيعة هذا النظام اولا وتنفيذ الاجندات الامريكية ، فرغم ان الاعلام البعثي والتكفيري والمحور الامريكي في العراق يدفع باتجاه العلاقات العراقية السعودية وما يسميه بالعمق العربي ، الا ان التاريخ القريب يفند الادعائات ويؤكد ان لاجدوى من العلاقات مع ال سعود اذ لاعهود لهم ولاتلزمهم مواثيق . وهنا لابد ان نشير الى احد الشواهد التاريخية للمواقف السعودية تجاه العراق ، ونشير بذلك الى كل الاطراف ممن يجهلون التاريخ ، او الذين يدفعون بالاعلام باتجاه الرابطة مع ال سعود ، او اولئك الذين تكحمهم عقدة الطائفية ، فان موقف ال سعود مع خادمهم الكبير راس النظام في العراق في ايام الحرب العراقية الايرانية الذي غدروا به بعد قدم لهم العراق وشعب العراق واقتصاد العراق ومستقبل العراق لخدمتهم على طبق من ذهب .
فبعد انتهاء الحرب العراقية الايرانية قامت السعودية التي دعمت صدام بسخاء من اجل دفعه باتجاه الحرب وادامة زخمها واطالة امدها ومنحه القوة الازمة من اجل ان المطاولة فيها ، فكانت قيمة ما منحته السعودية وبعض دول الخليج ما يناهز ال40 مليار دولار ، وما ان انتهت الحرب حتى بدات السعودية بالمطالبة بها اذ اعتبرتها ديون على العراق ، وزادت على ذلك بان سعت بكل قوة لخفض اسعار النفط لتزيد العجز المالي لدى العراق وايران معا ، ولم تنفع توسلات صدام ومساعيه او وفوده التي ارسلها ليثنيهم عن مواقفهم بجعل هذه المبالغ منح او مساعدات ولا نجحت كذلك في تخفيض انتاج السعودية من النفط لزيادة الاسعار .
فمن هذا المنطلق نجد ان حكام ال سعود لايعنيهم شكل الحاكم في العراقي الا بالقدر الذي يحقق حقيق مصالحهم ومصالح امريكا واسرائيل في العراق
والمنطقة ، ومما يؤسف له ان الكثير ينسون التاريخ القريب لجرائم ال سعود في العراق ومواقفهم السلبية تجاهه ،ان سعي المسؤلين العراقييين لتحسين العلاقات بين البلدين كانت تجابه بالوعود الكاذبة ومصحوبة بهالة اعلامية براقعه لنكتشف بعد حين زيفها وسذاجة من صدقها ، فمثلا قام كبار المسؤلين العراقيين بزيارات متعددة السعودية فاين رد الزيارات؟ فلم يزر العراق الا وزير الخاجية االسعودي ولمرتين على مااعتقد طول ال ١٧ عام الماضية . وقد وعدت السعودية العراق بمساعدات مالية كبرى في مؤتمر المانحين في الكويت قبل سنتين على ان تصرف على مشاريع محددة فاين تلك المساعدات؟ و اعلنت السعودية انها تبرعت ببناء ملعب رياضي كبير وتم تحديد الارض وتهيئة الخرائط فاين هذا الملعب ؟ ورغم هذا الواقع الذي نراه ولازال شاخصا امام اعيننا ، نجد ان هناك من يهرول لكي يصدق مجددا بالوعود السعودية ، ويعول على مساعدتها للعراق بعد كل الذي حصل ولازال يحصل ، وحتى لو كانت العلاقات مع السعودية سوف تتغير كنتيجة للاوامر الامريكية لال سعود لابعاد العراق عن العلاقة مع ايران وهو واقع الحال في وقتنا الراهن ، فان المستقبل سيكشف ان ال سعود اذا صدقوا فيما يتعهدون فانهم لن يمنحوا شيئا للعراق الا مقابل شيئا من كرامته او شيئا من مستقبل ابنائه او ثروته او ارضه . بل بالعكس فان فان ذلك قد ينقلب وبالا على العراقيين في قادم الايام