حسن عبد الهادي العكيلي ||
لم يصح الديك في صبيحة فجر 17 تموز سنة 1968 وكأنه تمنى ان لاتشرق الشمس على بغداد في هذا اليوم المشؤوم ...ولكن الامور تجري بأسبابها شاء الديك ذلك ام أبى ...بزغت شمس ذلك اليوم خجلى كأنها عذراء اغتٌصبت مرة بعد اخرى ودٌنس جسدها الثلجي الطاهر بأيادي مجذومة حمراء قاسية.
كل شئ تغير لم تعد العصافير تغني في بلادي وامتنعت اسراب الطيور المهاجرة من ان تحل ضيوفاً على سماء وطني حتى دجلة ما عادت مياهها صافية كعهدها والنجوم لم تعد ترسم صورها على ضفائرها المنسابة كجدائل صبية بغدادية.
كانوا يتراكضون بهمجية في الازقة يمسكون التباشير وقطع الفحم وفرش الاصباغ يكتبون على جدران المدارس والبيوت والمساجد والكنائس وعلى اجساد الناس شعاراتهم, كانت مخيفة مثلهم تماماً
(من الجماجم سنرفع للبعث علماً) ومن بين ركام الهتافات والغبار المنبعث من اقدام المهرولين كان عهداً غارقاً في الرجعية يولد وزمن مشوه يسفر عن وجهه الغارق في العتمة والوحشية , يسحق بقدميه كل الاشياء الجميلة ويهتك ستر وطن جميل ,يغتصب الارض الطاهرة حفنة من اوغاد بدائيين يحملون الفؤوس بيد والنار بالاخرى يعيثون في الارض فساداً ويؤسسوا برنامجاً ابليسياً من التخريب غايته القضاء التام على كل علامات الشخصية العراقية وتحويلها الى ذات عليله مشلوله قلقه ويقتلوا فيها روح الاباء تمهيداً لخلق الشخصية ( المطيعة) التي لاتعرف سوى الرضوخ ويسقطوا من قاموسها مفردات الرفض والثورة والسمو وتحويل الشعب العراقي الى اضاحي تذبح في كل عيد .
ومن اهم محاور هذا المخطط العفلقي هو التخريب الاجتماعي والتمهيد لصنع جماهير خاويه يعصف بها الكره بين مكوناتها من خلال العمل على:
1- فصل كل اطياف الشعب العراقي عن مرجعياته الاصيلة واشعار العراقيين بعزلتهم في الساحة وانه لابديل عن احضان البعث.
2- تركيز مشاعر الذلة والامتهان في النفوس وتحويلها الى سلوكيات معتادة بدأً من الشارع والعمل وعند مراجعة دوائر الدولة المدنية والعسكرية على حد سواء وان كانت الدوائر العسكرية والامنية اكثر حدة وشراسة.
3- تركيز الشعور بعدم الثقة بالفرد العراقي وانه دوماً مطالب بأثبات ولائه للحزب الواحد وايضاَ بأثبات عراقيته مما دفع المواطن الى حمل اكثر من هوية لاثبات انه عراقي!!
4- الدونية في النظرة الى العراقيين وخصوصاً القادمين من الجنوب او الشمال واعتبار احد مكونات الطيف العراقي هو نموذج(السوبر)
5- الاذلال الفكري والمعنوي المتعمد وتسخير اعلام السلطة المرئي والمسموع لترسيخ مفهوم (الشروكي) القروي البسيط ومفهوم (الكوردي) الذي هو دائما عرضه للخداع والنصب,
وبلغ هذا التشويه حده الاعلى عندما اطل برأسه من شاشة التلفاز هرم السلطة وهو يتندر على سذاجة شخصة كوردية اشترت خروفاً بال في طريق العودة مما اغضب الرجل الكوردي واتهم البائع بالغش لانه باعه (خروف مزروف) .
6- اهانة المواطن العراقي وتفضيل العرب العاملين على ابناء البلد انفسهم تحت شعارات تثير الغثيان من قومية وعروبية لاقناع الجماهير العربية بان صدام التكريتي هو الحامي للعرب من ايران ومن كره طائفي شيعي وقومي كوردي.
هذا جزء بسيط من برنامج اعدته دوائر غربية محترفة وسلمته الى من ادى الدور على اتم وجه, وقد نتجت عن ذلك ضغوط سلبية كبيرة اخذت تطبع بصماتها على الشخصية العراقية حتى غدت الانا وعدم الثقة بالاخر وصية يتناقلها الابناء عن الاباء.
زادت حروب النظام الخاسرة الطين بلة واصبح طريق الذهاب الى الحرب طريق اللا عودة....تحت ضوضاء اناشيد سوداوية ( احنا مشينا مشينا للحرب...) كانت نار الحرب تأكل العراقيين وتصهر ارواحهم ولجان الاعدام في الخلف تحصد الهاربين منها رجاء بقية حياة..... حبل الاجهزة الامنية والاستخبارتية يزداد احكاماً حول الاعناق ومحاكم البعث تقتل على الشبهة.
يكفي تقرير من مخبر حزبي لاعدامك ...المسبحة السوداء بين اصابعك المرور من المسجد تهم كافية للأدانة وفصل الرؤوس عن الاجساد ومن انفاق وتلافيف عالم صدام المخيف اتقن العراقيين فن البقاء على قيد الحياة.
من تلك الفوضى العارمة ومن سبات كامل لقيم العدل اصاب الشخصية العراقية الكثير من العطب وكادت لولا فضل الله ورحمته في الخلاص ان يقضى تماما على ملامحها ومميزاتها ...العراق امة مستقلة تشكل بكل اطيافها نسيجاً اجتماعياً لا مثيل له ابداً في شرق هذا الكوكب او غربه , نتكلم العربية لكننا حلقنا بعيداً عن النظرة القومية الضيقة والتي لاترى الاخر .
انت كوردي لكنني العربي اقرب اليك من نفسك وذاك مسيحي قد امتزج حزنه بدمي , لست عربياً ولا انت كرديا ولا انت مسيحي او صابئي او اي لون من الوان العراق الزاهية نحن معاً امة مستقلة لها خصوصية عجيبة وذوق راقي نحن لا ننتمي الى احد والعالم بأسره ينتمي لنا فنحن من اهدى العالم اول حرف.
والسلام على العراق واهله.
https://telegram.me/buratha